خطب الجمـعة |
![]() |
|
207 |
|
بسم الله الرحمن الرحيم
أحِب للنَّاس ما تحب لنفسك
كتبها : ش . عبد الرزّاق طاهر فارح
ترجمها إلى الإنجليزية: د . فهيم بوخطوة
18 شعبان 1439.
04 مايو 2018
اللهم لك الحمد، أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد. أنت قيُّوم
السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد. أنت ملك السموات والأرض ومن فيهن، ولك
الحمد. أنت الحق، ووعدك الحق، ولقائك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق ،
ومحمَّد صلى الله عليه وسلم حق. اللهم لك أسلمنا وبك آمنَّا، وإليك حاكمنا،
وإليك أنبنا، فاغفر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت
أعلم به منَّا، أنت المقدِّم وأنت المؤخِّر. لا إله إلا أنت، وصلِّ اللهم وبارك
على نبِيِّنا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه، وعلى من سار على نهجه، واتَّبَع سُنَّته
إلى يوم الدِّين. فحيَّاكم الله جميعا أيها الإخوة الأخيار وأيتها الأخوات
الفاضلات. وطبتم وطاب سعيكم وممشاكم، وتبوَّأتكم جميعا من الجنّة منزلا، وأسأل
الله العليم القدير جلّ وعلا، الذي جمعنا في هذه الساعة المباركة على طاعته أن
يجمعنا في الآخرة مع سيِّد الدُّعاة، وإمام النَّبِيين في جنّته ودار مُقامته.
إنَّه وليُّ ذلك والقادر عليه.
أحبتي في الله ،،
روى الترمذي في سُنَنِه والحديث حسن، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: جلس النّبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال للصَّحابة: {من يأخذ عنِّي هؤلاء الكلمات فيعمل بِهِن أو يُعَلِّم مَن يعمل بهن؟}. فقال أبو هريرة: فقلت أنا يا رسول الله. فأخذ بيدِي فعدَّ خمساً وقال: {إتَّقِ المحارم تكن أعبد النّاس. وإِرْضَ بما قَسَمَ الله لك تكن أغنى النَّاس. وأحسِنْ إلى جارك تكن مؤمناً، وأحِب للنّاس ما تُحب لنفسك تكن مُسْلماً، ولا تُكْثِر الضحك، فإنَّ كثرةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ القلب}. هذه وصيّة المعلم الأوّل للطالب النّجيب أبي هريرة رضي الله عنه. ووصيته له وصيَّةٌ للأمّة بأسرها. لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السَّبب.
نتحدث في هذه الجمعة عن الكلمات الأخيرة من هذا الحديث، وهي: "وأحب للنّاس ما تُحب لنفسك تكن مسلماً". أي مِنْ تمام إسلامك أن تحب للناس ما تحبه لنفسك من الخير. بل إنّ الإسلام جعل حُبَّ الخير للناس من دلائل إكتمال الإيمان ورُسوخه في القلب. وغياب محبَّة الخير للآخرين من علامات نفص الإيمان وعدم إكتماله. وهذا مصداقاً لقول النّبي صلى الله عليه وسلم: {لا يؤمن أحدكم حتي يُحب لأخيه ما يُحب لنفسه} رواه البخاري.
وعن مُعاذ أنّه سأل النّبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الإيمان. قال: {أن تُحب لله، وتبغض لله، وتعمل لسانك في ذكر الله}. قال: وماذا يا رسول الله؟ قال: {وأن تُحب للنّاس ما تحب لنفسك، وتكره لهم ما تكره لنفسك} رواه المنذري.
وإذا ما أحبَّ المسلم الخير للغير، كان لذلك أثر في تعامله مع النّاس. فتجد منه سُمُوّاً في التعامل، ورفعة في الأخلاق، وصبراً على الإيذاء، تغاضياً عن الهفوات، وعفواً عن الإساءة، ومشاركةً في الأفراح والأحزان.
وحبُّ الخير للناس يقود صاحبه إلى الفوز بالجنّة. فعن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النّبي صلى الله عليه وسلم قال: {من أحبَّ أن يُزَحْزَحَ عن النّار ويُدْخَل الجنّة، فلتدركه مَنِيَّته وهو يُؤمن بالله واليوم الآخر، ويأتي إلى النّاس الذي يُحب أن يُؤتى إليه} رواه أحمد.
ولا يقتصر حبُّ الخير للناس على ما يُسْعِدُهم في الدنيا، ولكن يَمْتَدُّ أيضا إلى حب السعادة لهم في الآخرة. فيُحبُّ لهم أن يَمُنَّ الله عليهم بنعمة الإيمان، وأن يُنقذهم الله من ظلمات الشِّركِ والعصيان. وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلماً} رواه الترمذي.
وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل في ذلك، فقد بَلَغَ به حبُّ الإيمان للنّاس أنّه كاد أن يموت غَمّاً وأسفاً عليهم. قال الله تعال: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَـٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} 18:6. وقال الله تعالى: { فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} 35:8.
لقد دعا النَّبي صلى الله عليه وسلم النّاس في جميع الأماكن والأزمان والأحوال. دعا فوق الجبل وفي المسجد وفي الطريق وفي السُّوقِ. دعاهم في صِحَّته ومرضه، دعا مَنْ أَحَبُّوهُ ومن أبغضوه، ومن إستمعوا إلى دعوته ومن أعرضوا عنها. فأيّ مصلحة له في أن يؤمنوا ويهتدوا؟ لا شيء، إنّهُ حُبُّ الخير للنَّاس.
وها هو النبي صلى الله عليه وسلم يُعَبِّرُ عن حُبِّه الخير لأبي ذر فيقول له: {يأ أبا ذر، إنِّي أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحبُّ لنفسي. لا تُأَمَّرَنَّ على إثنين، ولا تُوَلِّيَنَّ مال يتيم} رواه مسلم.
وقد سار سلفنا الصالح على نهج النَّبي صلى الله عليه وسلم، فكانت قلوبهم تفيض بحب الخير للناس. فهذا إبن عبّاس رضي الله عنهما يقول: "ما نزل غيثٌ بأرضٍ إلا حمدت الله وسُرِرْت بذلك. وليس لي فيها شاة ولا بعير. ولا سمعت بقاضٍ عادلا إلا دعوت الله له، وليس عنده لي قضية. ولا عرفت آية من كتاب الله إلا وددت أن يعرف الناس منها ما أعرف".
أحبتي في الله ،، وما هي الأمور التي يمكن أن تُعِيننا على أن نُصبح مِنَنْ يُحِبُّون الخير للناس.
التَّوجُّه إلى الله، والإلحاح إليه سبحانه أن يحعلنا ممن يُحبُّون الخير للناس، ويُسمعون في كُلُّ نافِعٍ مُفِيد لهم.
والدعاء بالخير لمن حولنا بظهر الغيب. بذل الجهد في السعي فيما ينفع الناس ويُسعدهم، ويُفيدهم ويُصلح حالهم ويرفع عنهم العناء.
الحرص على مُصاحبةِ من يُحبُّون الخير ويسعون في خدمتهم ونفعهم.
لأنَّ المسلم يُحبُّ أن يَرحَمَ الله كُلُّ الخلق. إنَّ المسلم يحب أن يُسْلِمَ أكثَرُ النَّاس وأن يَهْدي أفجر الناس. هكذى ديننا، نُحِبُّ النَّجاة والخير لأنفسنا ونحبُّ الخير لغيرنا.
أما النقطة الأخيرة: {ولا تُكْثِر الضحك، فإنَّ كثرةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ القلب}. الضحك من خصائص الإنسان ويأتي بعد نوع من الفهم والمعرفة لقول يسمعه، أو موفق يراه فيضحك منه. وكثرة الضَّحِك تُورِّثُ ظُلمة في القلب وموتاً له.
والإسلام يرحِّب بكل ما يجعل الحياة باسمةً طيِّبةً. ويحب للمسلم أن تكون شخصيته متفائلة باشَّة. ويكره الشخصية المكتئبة المتطيِّرة، التي لا تنظر إلى الحياة والنَّاس إلا من خلال مِنظار قاتم أسود.
وأُسوةُ المسلمين في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان برغم همومه الكثيرة والمتنوِّعة، يمزح ولا يقول إلا حقاً، ويحيا مع أصحابه حياة فطرية عادية، يُشاركهم في ضحكهم ولعبهم ومزاحهم، كما يشاركهم آلامهم وأحزانهم ومصائبهم. ولذا فإنَّ المنْهِيَ عنه في هذا الحديث ليس مُجَرَّدَ الضَّحِك، بل كثرته. فليس الضحك مَنْهِي عنه لذاته، ولكن لما يمكن أنْ يُؤدِّي إلى نتائج وأخلاق لا يرضاها الإسلام. وكلُّ شيء خرج عن حَدِّه اِنْقَلَبَ إلى ضِدِّه.
أَقُولُ قُولِيَ هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ فَاسْتَغْفِرُوهُ.
الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنَّا لنهتديَ لولا أن هدانا الله،