خطب الجمـعة |
![]() |
|
205 |
|
بسم الله الرحمن الرحيم
أَحْسِنْ إِلى جَارك
كَتَبَهَا: عَبْدُ الرَّزَّاقِ طَاهِرُ فَارِحٍ.
تَرْجَمَهَا إِلَى الإِنْجْلِيزِيَّةِ: د. فَهِيمُ بُوخَطْوَةٍ.
27 رَجَب 1439 هـ
13
أبريل 2018 م
أحبتي في الله ،،
روى الترمذي في سُنَنِه والحديث حسن، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: جلس النّبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال للصَّحابة: {من يأخذ عنِّي هؤلاء الكلمات فيعمل بِهِن أو يُعَلِّم مَن يعمل بهن؟}. فقال أبو هريرة: فقلت أنا يا رسول الله. فأخذ بيدِي فعدَّ خمساً وقال: {إتَّقِ المحارم تكن أعبد النّاس. وإِرْضَ بما قَسَمَ الله لك تكن أغنى النَّاس. وأحسِنْ إلى جارك تكن مؤمناً، وأحِب للنّاس ما تُحب لنفسك تكن مُسْلماً، ولا تُكْثِر الضحك، فإنَّ كثرةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ القلب}. هذه وصيّة المعلم الأوّل للطالب النّجيب أبي هريرة رضي الله عنه. ووصيته له وصيَّةٌ للأمّة بأسرها. لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السَّبب.
ونحن اليوم نتحدث في هذه الجمعة عن الوصِيَّة الثالثة من هذه الوصايا العظيمة . "وأحسن إلى جارك تكن مؤمناً".
الجار هو القريب منك في المنزل، وله حقٌّ كبيرٌ عليك. فإن كان قريباً منك في النَّسب وهو مسلم، فله ثلاثة حقوق: حقُّ الجوار، و حقُّ الإسلام، و حقُّ القرابة.
وإن كان مسلماً وليس بقريب في النَّسب فله حقَّان: حقُّ الجوار، و حقُّ الإسلام.
وكذلك إن كان قريبا وليس بِمُسلِم، فله حقّان: حقُّ الجوار حقُّ القرابة.
وإن كان غير مسلم وليس من القرابة، فله حقٌّ واحد وهو حقُّ الجوار.
الإحسان إلى الجار فضلٌ عظيم في الشريعة الإسلامية. وقد أمر الإسلام بمراعاة حقوق الجار بالإحسان إليه وعدم إيذائه. بل قَرَنَ الإحسان إلى الجار في القرآن الكريم بالأمر بعبادة الله جلَّ وعلا، وبالإحسان إلى الوالدين. وقال تعالى: {
وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} 4:36. جمع الله في هذه الآية بين حقِّ الجار وحقوق العبادة. وأصحاب هذه الحقوق أنواع، منهم: ذوي القرابات. وخصَّ بذكر الوالدين، لشِدَّةِ قُربهما وعِظّمِ حَقِّهِما. ومنهم قريبٌ مُخَالِط، وهم الجار ذو القربى، والجار الجُنُب، والصاحب بالجنب.أحبَّتي في الله، إن حقَّ الجار عظيم. ربطه النّبي صلى الله عليه وسلم بالإيمان بالله، والإيمان باليوم الآخر، فقال عليه الصلاة والسَّلام: {من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكْرِم جاره}. وفي رواية: {من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يُؤذي جاره}. وعن أبي شريح رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: {والله لا يُؤمِنُ ، والله لا يُؤمِنُ ، والله لا يُؤمِنُ}. قيل: مَنْ يا رسول الله؟ قال: {الذي لا يأمن جاره بوائقه (أي الشرور والآثام والإيذاء)}. ورُويَ عن إبن عبَّاس رضي الله عنه أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: {ما آمن من بات شبعان وجاره جائع}. وكل هذه الآحاديث تُأكِّدُ الصِّلة والإرتباط بين الإيمان والقيام بحُقُوق الجار. ممَّا يدل على أنَّ حقَّ الجار من خصال الإيمان، ومن أعمال الإيمان. الإيمان بالله الذي يطَّلِعُ على خائنة الأعيُن. والإيمان باليوم الآخر الذي فيه الحساب والجزاء. وفي حديث عند الترمذي وإبن حبَّان وإبن خزيمة والحاكم وصحَّحَه، أن الرسول صلى الله عليه وسلم: {خير الأصحاب عند الله خيرُهُم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره}.
أحبتي في الله،، يَجمع حقُّ الجار ثلاثة أمور: إكرامه،، وكفُّ الأذى عنه،، وتحَمُّل أذاه. أمَّا إكرامه هو أن نبدأ بالسَّلام، ونُليَّنُ له في الكلام، ونتلطَّف معه في الحديث، ونُرشِده إلى ما فيه صلاحُه وصلاحُ أَهْلَهُ في دُنياه ودينه. ونحفظه في غيبته. ونحن يا عباد الله في هذا البلد مُعْظَمُ الجيران هو من غير المسلمين. فواجبنا نحوهم أن نُعاملهم مُعملةً حسنة، وأن نزورهم إذا مرضوا، وأن نساعدهم إذا إحتاجوا المساعدة. وأن نُهدِي لهم الهدايا ما تيسَّر. كما قال النَّبي صلى الله عليه وسلم لأهل بيته عند تفريق لحم الأضحية: {إبدأي بجارنا اليهودي}. وكما فعل عبدالله إبن عمر عندما ذُبِحَتْ شاةٌ في أهل عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. فلمَّا جاء قال: أهديتُم لجارنا اليهودي؟ ثلاث مرَّاتٍ، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنّه سَيُوَرِّثُه}. أي فكأنَّه لا فارقَ بين حقوقو الأقارب والجيران سِوَى الميراث. إذاً لابُدَّ أن نَكُفَّ أذانا عنهم، وأن لا نُزعجهم، وأن نصبِرَ على أذاهم، وأن ندعوهم إلى الله بالتي هي أحسن. وإذا لم نستطع أن نُبَلِّغَ عن دين الله بالتي هي أحسن، على الأقل أن نُبَلِّغَهُم عن طريق أخلاقنا ونحن صامتون.
أَتَى رَجُلٌ إِلى النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ , دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ ، قَالَ: "كُنَّ مُحْسِنًا"، قَالَ: وَكَيْفَ أَعْلَمُ أَنِّي مُحْسِنٌ؟ فَقَالَ: "تَسْأَلْ جِيرَانَكَ ، فَإِنْ قَالُوا : إِنَّكَ مُحْسِنٌ ، فَإِنَّكَ مُحْسِنٌ، وَإِنْ قَالُوا : إِنَّكَ مُسِيءٌ فَأَنْتَ مُسِيءٌ".
أَقُولُ قُولِيَ هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ فَاسْتَغْفِرُوهُ
faheemfb@gmail.com فهيم أبوخـطـوة ،، البريد الإلكتروني
|