---

خطب الجمـعة faheemfb@gmail.com

162

---

---

بسم الله الرحمن الرحيم

رمضان

 

كتبها : الشيخ  عبد الرزّاق طاهر فارح

ترجمها إلى الإنجليزية : د . فهيم بوخطوة

 

2 رمضان 1436 هـ

15 يونيو 2015 م

 

أحبتي في الله ، قال جل وعلا: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ}28:68، خلق الله السنين والشهور والأيام والليالي. واختار شهر رمضان ففضله على سائر الشهور، وأودعه ليلة هي خير من ألف شهر. إن نعم الله علينا لا تُعد ولا تُحصى. ومن أعظم هذه النعم هو نعمة شهر رمضان. الشهر المبارك، إنه شهر الصيام، إنه شهر القرآن، إنه شهر القيام ، إنه شهر الإحسان. قال جل وعلا: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ} 2:185. إنها نعمة عظيمة يا عباد الله. لذا كان حبيبنا صلى الله عليه وسلم إذا أقبل رمضان بأنفاسه الخشاعة، فرح به فرحا بالغا، وسُرَّ به سروراً كبيراً. وقام في الصحابة ليقول كما في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد النسائي وغيرهم من حديث أبي هريرة: (كان رسول الله إذا أقبل رمضان يقول : {أتاكم شهر رمضان ، أتاكم شهر رمضان ، شهر مبارك  فرض الله عليكم صيامه ، تُفتح فيه أبواب الجنّة ، وتغلق فيه أبواب الجحيم ، وتُغل فيه مردة الشياطين، وفيه ليلة هي خير من ألف شهر. (أي فيه ليلة يفوق خيرها خير ثمانين عاماً). من حُرم خيرها فقد حُرم}.

وفي الحديث القدسي الذي في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال الله تعالي: {يا إبن آدم كلّ عمل إبن آدم له إلا الصوم فإنّه لي، وأنا أجزي به. والصيام جُنّة (أي وقاية) فإذا كان صوم أحدكم فلا يرفُث ولا يسخط (والرّفث له معنيان : بمعنة الجماع ، أي أن يأتي الرجل إمرأته، أو بمعنى الفُحش من القول والعمل) فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إنّي صائم إني صائم. والذي نفس محمدٍ بيده، لخلوف فم الصّائم أطيب عند الله من ريح المسك . وللصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقى ربّه فرح بصومه}. اللهم أجعلنا من أهل الفرح والسّعادة في الدنيا والآخرة.

ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إذا جاء رمضان فُتِحت أبواب الجنّة، وفي لفظ مسلم فُتِحت أبواب الرحمة، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبِل} (أي أقبِل يا صاحب الصلوات، أقبِل يا صاحب التراويح، أقبِل يا قارئ القرآن، أقبِل يا منفق الأموال، أقبِل يا من تذكّر الرحيم الرحمن، فها هو موسم الطاعة قد أهَلَّ عليك وأقْبَل . فكن صاحب هِمَّةٍ عالية . وكن صاحب إرادة وعزيمة صادقة)، ويا باغي الشرّ أقصر (أي إنتهي يا من ضيّعت الصلاة، إنتهي وحافظ عليها. يا من هجرت القرآن إنتهي، وحافظ على قراءة القرآن. يا من كنت تنظر إلى الحرام، كُفَّ بصرك عن الحرام في موسم الطاعة ، ليكون عوناً لك بعد ذلك على هذه الطاعة.

 

وللّه عُتقاء من النّار، وذلك في كل ليلة حتى ينقضي رمضان. اللهم اجعلنا من عُتقائك من النّار. مغبونٌ والله مخذولٌ خسرانٌ من أقبل عليه رمضان، موسم البر والرحمة والإحسان، شهر العِتق من النيران، وأنسلخ أي إنقضى رمضان قبل أن يُغفر له .

قال سيد ولد عدنان كما في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد والنسّائي، قال صلى لله عليه وسلم {رغم أنف رجلٍ (أي ذُلَّ وهان وألتصق بالطّين والتراب) رغم أنف رجلٍ دخل عليه رمضان ثم إنسلخ قبل أن يُغفر له}. إعلم أن الله لا يغفر لك وأنت غارقٌ في المعاصي. عَرِّض نفسك لرحمة الله، عرِّض نفسك لبركات الله ونفحات الله. إنتقل من بيئة المعصية إلى بيئة الطاعة. إنتقل من صُحبة السّوء إلى صُحبة الخير.

أسأل الله جلّ وعلا أن يجعلني وإيّاكم أهلاً لرحمته. وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وجعلني وإيّاكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه .

 

الخطبة الثانية

أحبتي في الله ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: {من صام رمضان إيماناً واحتساباً ، غفر له ما تقدّم من ذنبه}. إيماناً يعني إيماناً بالله، إعتقاداً أنّ الله فرض عليه الصّيام. وإحتساباً، أي إنتظاراً للأجر من الله .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {من قام (أي صلّى القيام وهيو صلاة التراويح) من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه} .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً ، غفر له ما تقدم من ذنبه} .

والأحاديث الثلاثة في الصحيحين من حديث أبي هريرة عن الصادق الذي لا ينطق عن الهوى. وفي الصحيحين من حديث أبو هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال : {رمضان إلى رمضان، والجمعة إلى الجمعة، والصلوات الخمس مكفّرات لما ينه إذا ما اجتنبت الكبائر}. إن حفظك الله من كبائر الذنوب، ووقعت في صغار الذنوب، فالصلاة إلى الصلاة، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان يُكفِّر الله جلّ وعلا بهذه الأعمال صغار الذنوب إذا اجتنب العبد الكبار. واعلم أن الكبائر أيضا تُغفر بالتوبة.