Checkout

خطب الجمـعة

faheemfb@gmail.com

161

      

 

     
 

     


بسم الله الرحمن الرحيم

تحسين محاسن الأخلاق

 

كتبها : الشيخ  عبد الرزّاق طاهر فارح

ترجمها إلى الإنجليزية : د . فهيم بوخطوة

 

26  رجـب 1436

15  مـايـو2015

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا يضل يمن يضلل فلا هادي له ، ولن تجد له من دون الله ولــيّا مرشدا . الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، وآله وصحبه أجمعين .

أما بعد:

أحبتي في الله ،،

تحدثت في الخطبة الماضية عن مكارم الأخلاق ومحاسن الأخلاق . والسؤال الآن هو: هل من سبيل لتحسين أخلاقنا؟ وهل من طرق يمكن بها تحسين أخلاقنا والإجابة للسؤالين هي: نعم .

الأخلاق أيها الأحبّة نوعان : أخلاق جبليّة فطرية ، وأخلاق مكتسبة . النوع الأوّل من أنواع الأخلاق هو نوع جبلي فطري خلق الله عزّ وجل الإنسان بهذه الأخلاق . والدليل هو ما رواه مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قال يوماً للأشج عبد القيس : {إنّ فيك خصلتين} وفي لفظ {خلتين يحبهما الله عزّ وجل ، الحلم والأناه} . وفي رواية إبن ماجة بسند حسن {الحلم والحياء} . لكن في رواية البخاري في الأدب المفرد وفي رواية الإمام أحمد في المسند بسند صحيح أن أشج عبد القيس قال : يارسول الله ، أنا أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : {بل الله جبلك عليهما} . وهذا دليل على أن هناك من الأخلاق الكريمة ما هو فطري أودعه الله عزّ وجل في الإنسان . فترى هذا متخلقاً بالأدب ، وترى هذا متخلقاً بالحناء ، وترى هذا لا يتكلم إلا وهو صادق ، وترى ذاك إن تعامل معك ، تعامل معك بمروءة وأناة وخلق وأدب . وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .

النوع الآخر من أنواع الأخلاق هو الأخلاق المكتسبة ، وهي الأخلاق التي يكتسبها الإنسان بالتعلم والتخلق . وكما تعلمون يا عباد الله قد يكتسب الإنسان الخلق الكريمة إذا وُضِع الإنسان في بيئة كريمة ، وابتعد عن بيئة الشر والفساد والمفسدين . قال الله جلّ وعلا : { قَد أفلحَ مَن تَزَكَّىٰ (14) وَذَكَرَ ٱسمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ (15) } 87: 14ـ15 . وقال جلّ وعلا : { قَد أَفلَحَ مَن زَكَّٰهَا (9) وَقَد خَابَ مَن دَسَّٮٰهَا (10) } 91 :9ـ10. فمن طهّر نفسه من العيوب ، ورقّاها بالبعد عن الذنوب ورقّاها بطاعة علام الغيوب، فهذا هو الذي تخلق بالأخلاق الكريمة ، وحاول أن يكتسب الأخلاق الكريمة النبيلة . فصلاح أمرك للأخلاق مرجعه ، فقــوِّم النفس بالإخلاق تستقم . إنظروا إلى سيرة أصحاب النّبي صلى الله عليه وسلم كيف كانوا ، وما الذي ساروا إليه . فهذا عمر رضي الله عنه يقول يوما للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ، لأنت أحبُّ إليَّ من كل شيئ إلا من نفسي . فقال: {لا ياعمر ، حتى أكون أحبَّ إليك من نفسك} . قال عمر : فأنت والله يا رسول الله أحبُّ إليَّ من نفسي . قال : {الآن يا عمر}.

يقول الإمام الخطابي كما نَقل ذلك عنه حافظ إبن حجر في الفتح ، حُب الإنسان نفسه طبع ، وحب الإنسان غيره إختيار بتوسط الأسباب . وما طلب النبي صلى الله عليه وسلم من عمر حُب طبع ، إذ لا سبيل إلى قلب إطباع عمّا جُبل عليه . وإنما طلب منه حُب إختيار بتوسط الأسباب . فلما نظر عمر في الإسباب ، ووجد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان سبب نجاته من هلاك الدنيا وعذاب الله في الآخرة ، علم أنّه لا قيمة له بدون رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقرّ حينئذ وقال : والذي بعثك بالحق لأنت أحبُّ إليَّ من نفسي يا رسول الله . فلولا رسول الله لهلك عمر . وهذا هو جانب الكسب الذي يكتسبه الإنسان من النظر في الأسباب .

ما هي الأسباب المعينة على تحقيق حُسن الأخلاق عن طريق الإكتساب .

السبب الأول : صدق الإستعانة بالله جلّ وعلا . بالتضرع والتذلل إليه أن يرزقك مكارم الأخلاق ومحاسن الأخلاق . إسمع إلى من كان كان خلقه القرآن يتضرّع إلى الله جلّ وعلا أن يرزقه حُسن الخلق فيقول كما في مسند أحمد بسند صحيح من حديث عبد الله إبن مسعود رضي الله عنه : {اللهم كما حسّنت خَلقي فحسِّن خُلقي} . وفي رواية مسلم من حديث علي إبن أبي طالب رضي الله عنه أنّه صلى الله عليه وسلم كان يدعو الله عزّ وجل ويقول : {اللهم إهدني لأحسن الأخلاق ، لا يهدي لأحسنها إلا أنت . واصرف عنّي سيئها ، لا يصرف عنّي سيئها إلا أنت . اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والدّواء} .

السبب الثاني: المجاهدة . وهو سبب عظيم من أساب تغيّر الأخلاق وتحسينها . لا تستسلم لمساوئ الأخلاق ، ولا تستسلم لفحش القول ولا لفحش الفعل . قال تعالى : {وَٱلَّذِينَ جَـٰهَدُواْ فِينَا لَنَہۡدِيَنَّہُمۡ سُبُلَنَا‌ۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ } 29 :69 .

السبب الثالث : محاسبة النفس . حاسب نفسك عن كل كلمة ، واعلم أن المؤمن وقّاف يحاسب نفسه ليلاً ونهاراً عن كل كلمة ، وعن كل فعل وكل سلوك .

السبب الرابع : الهِمَّة العالية . كن صاحب هِمَّةٍ عالية واعلم أن العبد إنّما يقطع منازل السير إلى الله تعالى بقلبه وهِمَّته ، لا ببدنه . فالتقوى في الحقيقة ، هي تقوى القلوب ، لا تقوى الجوارح .

السبب الخامس : مصاحبة الأخيار . مصاحبة الأخيار من أصحاب الأخرلاق الكريمة . فالمرء على دين خليله . واسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي موسى رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال : {إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء ، كحامل المسك ونافخ الكير . فحامل المسك : إما أن يحذيك ، وإما أن تبتاع منه . وإمّا أن تجد منه ريحا طيبة . ونافخ الكير ، إما أن يحرق ثيابك وإمّا أن تجد منه ريحا خبيثة}.

ثم طالع سير السلف الصالح ، سير الأبرار . فمن طالح سير هؤلاء شعر بظئالة نفسه وحقارة نفسه ، وجاهد نفسه وحاسبها في تقصيره .

عباد الله ، هذه أسباب يجعلها الله جلّ وعلا عوناً لنا على إكتساب الأخلاق الحميدة الكريمة . وأختم بهذه الآية الكريمة : {. . . وَلَوۡ أَنَّہُمۡ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِۦ لَكَانَ خَيۡرً۬ا لَّهُمۡ وَأَشَدَّ تَثۡبِيتً۬ا } 4 : 66 .

 

 

 

 

    

 


faheemfb@gmail.com   فهيم بوخـطـوة ،، البريد الإلكتروني