خطب الجمـعة |
![]() |
|
78 |
بسم الله الرحمن الرحيم
التوبة 5
كتبها : الشيخ عمر الخدراوي
ترجمها إلى الإنجليزية : د . فهيم بوخطوة
09 جمادى الثاني 1429 هـ
13 يونيو 2008 م
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شرفنا بالإسلام وهدانا للإيمان وأكرمنا بالقرآن وبمحمد عليه الصلاة والسلام، الذي بعثه رحمة للعالمين ونعمة للمؤمنين، وحجة على الناس أجمعين، (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين)، وأشهد أن سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا ومعلمنا محمداً عبد الله ورسوله أرسله ربه بالهدى ودين الحق بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فعلّم الناس من جهالة وهداهم من ضلالة وأخرجهم من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد، فتح الله برسالته أعيناً عمياً وآذانا صما وقلوباً غلفا وكان كما قال الله عز وجل مخاطباً له (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وقال عليه الصلاة والسلام عن نفسه "إنما أنا رحمة مهداة"، اللهم صلِّ وسلم وبارك على هذا الرسول الكريم، وعلى آله وصحابته، وأحينا اللهم على سنته وأمتنا على ملته واحشرنا في زمرته مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ، أما بعد،،،،
لا زلنا أيها الأخوة الكرام مع عباد الرحمن وصفات عباد الرحمن ووصلنا بحديثنا في الجمعة الماضية عن الحديث عن التوبة وأن من صفات عباد الرحمن أنهم إذا أذنبوا ذنبا أو اقترفوا خطيئة بادروا إلى التوبة و آبوا إلى الله "إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات و كان الله غفورا رحيما" ومن رحمة الله بعباده أنه فتح باب التوبة على مصراعيه لأنه سبحانه " يحب التوابين ويحب المتطهرين" بل إن من سعة رحمة الله سبحانه وتعالى أنه ترك الباب مفتوحا لمن أراد أن يتوب و حتى لأولئك االذين أشركوا فإذا تابوا من الشرك تاب الله عليهم " قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ...." الأنفال38 فالإسلام يجب ما كان قبله كما أن التوبة تجب ما كان قبلها فالتوبة تشمل الذنوب كلها و هنا بعد أن ذكر الله تعالى الشرك والقتل والزنا في قوله ( والذين لايدعون مع الله إله آخر و لا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق و لا يزنون ومن يفعل ذلك يلق آثاما لايُضاعف له العذاب يوم القيامة و يخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن و عمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات و كان الله غفورا رحيما) فقال بعد أن ذكر الشرك والقتل والزنى (إلا من تاب) ولكن أي توبة يقبلها الله سبحانه وتعالى ؟ و ما هي التوبة المقبولة عنده؟)
إنها التوبة النصوح و النصح معناه الخلوص من الغش و الخداع أي إنها ليست توبة زائفة ليست توبة مدخولة مغشوشة ليست كتوبة الكذابين الذين يتوبون بألسنتهم و قلوبهم مصرة على المعصية لا. إن للتوبة شروطا و مقومات و أركان و عنها يدور حجيثنا في هذه الجمعة الطيبة المباركة بإذن الله تعالى. فما هي هذه الشروط وهذه الأركان التي لا تقبل توبة العبد إلا بها ؟
أول أركانها : الندم ، كما سئل أنس وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : قال النبي صلى الله عليه وسلم : "الندم توبة" قال: نعم. رواه أحمد بإسناد صححه الشيخ شاكر. وهذا يعني أنه أعظم أركان التوبة كما قال: "الحج عرفة" أي أعظم أركان الحج: عرفة. و الندم الأسى والحزن و الحسرة التي تأكل القلب فلا يهنأ له بال و لا يطيب له نوم كلما تذكر معصيته لله فالذنب ينغص غليه نهاره و يؤرق عليه ليله كلما تذكره. إنه الشعور بالتقصير أمام الله سبحانه و تعالى يستجمع الإنسان في ذاكرته اساءته إلى الله و إحسان الله تعالى إليه, يتذكر نعم الله تعالى عليه و يتذكر معصيته لله عز و جل فمن يريد التوبة يستحضر آلاء الله و نعمه عليه و يستحضر ذنوبه ومعاصيه مع الله عز وجل فينشأ من ذلك حالة الندم وقد وصف الله لنا نفسية التائبين في سورة التوبة حين قال (وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت و ضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم ) أنظروا "ضاقت عليهم الأرض بما رحبت) الدنيا على سعتها ضاقت عليهم وأنفسهم ضاقت عليهم (وظنوا أن لاملجأ من الله إلا إليه) هذا هو شعور التائب هذا معنى الندم وهذا اول عناصر التوبة ومقوماتها إن النادم هنا يغسل ذنوبه بدموعه.
الركن الثاني للتوبة: العزم المصمم ألا يعود إلى الذنب: لا توبة إلا بهذا العزم أما ‘ذا كان يتوب و هو بين بين و هو يحن إلى النعصية و لا يزال في قلبه تعلق بها و لا زال عقله يفكر فيها فهذه ليست توبة . لابد أن يكون ساعة التوبة قاطع العزم كحد السيف مصرا على ألا يعود إليها . ولكن قد يضعف الإنسان أحيانا قد تخونه إرادته قد يغلبه هواه قد يصرعه شيطانه و يهزمه فالمعركة بين الخير والشر مستمرة و لكن المهم ساعة التوبة يكون عازما عزما أكيدا ألا يعود إلى الذنب.
الركن الثالث: أن يقلع بالفعل عن ذنبه : فالتوبة أيها الأخوة رجوع عن المعصية إلى الطاعة و عن السيئات إلى الحسنات رجوع من طريق الشيطان إلى طريق الله فلا بد أنه يرجع أن يغير طريقه أن يغير مجراه أن يغير صحبته يستبدل مكانا بمكان و أناسا بأناس و أصحابا بأصحاب "....وأتبع السيئة الحسنة تمحها.." :ما أوصى الرجل العالم ذلك الرجل الذي قتل مائة نفس فقال له إنطلق إلى أرض كذا و كذا فإن بها أناسا يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم و لا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء . فإذا استجمعت هذه التوبة شرائطها فلابد أن تقبل حسب سنن الله سبحانه وتعالى لأنه وعد بقبول التوبة ( ثم تاب الله عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم).
سئلت رابعة العدوية : أإذا تبت تاب الله علي؟ فقالت ياأحمق بل إذا تاب الله عليك تبت أما قرأت قول الله تعالى ( ثم تاب الله عليهم ليتوبوا) أي إنه إذا وفقك الله للتوبة فهذا دليل على أنه قبلك ما دام قد بعثك وحفزك على أن تتوب فهذا دليل القبول من أول الأمر.
فالتوبة أيها الأخوة مطلوبة من كل مسلم كما ذكرنا يقول القرآم(وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون )النور 31 ويقول أيضا (يأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا ) فالمؤمنون مخاطبون ومأمورون جميعا بالتوبة إلى الله تعالى.
كل إنسان مطالب بأن يتوب من من الناس يرى نفسه معصوما من الذنوب؟ كلنا مقصرفي حق الله كلنا مفرط في حقوق العباد و لذلك ينبغي أن نكون دائما توابين إلى الله. و كما قلنا في الجمعة الماضية إن النبي صلى الله عليه وسلم مع حسن صلته بالله كان مع الله في غدواته وروحاته وحركاته وسكناته ومع هذا كان يقول " يا أيها الناس توبوا إلى الله و استغفروه فإني أتوب في اليوم مائة مرة" فعبادالرحمن إذا مطلوب منهم المسارعة إلى التوبة و الإستغفار و خصوصا إذا ارتكبوا موبقة من الموبقات إذا ارتكبوا كبيرة من الكبائر فالتوبة على المؤمنين فريضة فورية ومن تاب تاب الله عليه و إن الله سبحانه وتعالى يفرح بتوبة العبد فرحا عظيما كما جاء في الحديث الصحيح :" لله أفرح بتوبة عبده المؤمن من رجل نزل في أرض دوية مهلكة معه راحلنه عليها طعامه وشرابه فوضع رأسه فنام فاستيقظ و قد ذهبت راحلته فطلبها حتى إذا اشتد عليه الحر و العطشـ أو ماشاء الله تعالى ـ قال : أرجع إلى مكتني الذي كنت فيه, فأنام حتى أموت فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ فإذا راحلته عنده عليها زاده وشرابه فالله أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته" أنظروا كيف يفرح الله بتوبة عبده . إن الله يحب من عباده أن يتوبوا يفرح بهم و يرحب بهم ويستقبلهم فقد عادوا إليه بعد شرود. هذه هي شروط التوبة في حالة ماكان الذنب بين العبد وبين ربه وكان الخطأ من العبد تجاه خالقه فشروطها الندم و العزم على عدم العودة للذنب و الإقلاع عن الذنب. فالتوبة إذا كانت تتعلق بالمعاصي التي بين الإنسان وربه فالأمر هين و يقبلها الله ولاشك و لكن المشكلة تنشأ إذا كان بينك وبين العباد حقوق و بخاصة الحقوق المالية كالديون التي للناس عليك.فمن تاب توبة نصوحا عليه أن يرد الحقوق إلى أهله فقد قال صلى الله عليه وسلم " من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو من شيئ فليتحلله منه من قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته و إن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فخمل عليه" رواه البخاري. فالإنسان إما أن يرد الحق لإلى أهله و إما أن يتحلل ويستسمح أصحاب الحق فإن سامحوا و ألا عليه أن يرد أليهم مااستطاع إن عرفهم و إن لم يعرفهم كأن يكون ظلم أناسا كثيرين أو ماتوا ولا ورثة لهم يتصدق عنهم و الأولى يجعل صدقته جارية يضعها في مسجد أو في مشروع خيري ليظل أجره لهم إلى يوم القيامة هكذا ينبغي للمسلم أن يفعل. فإن عجز فلينو كلما قدر على شيئ رد منه ما استطاع و هناك شروط أخرى للتوبة منها :
أن تكون قبل بلوغ الروح الحلقوم وقبل طلوع الشمس من مغربها، قال تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (النساء/18)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه" (رواه مسلم 2703) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. لأن الشمس إذا طلعت من مغربها آمن الناس أجمعون ، وتيقنوا بقرب قيام الساعة ، ولكن التوبة والإيمان عند ذلك لا تنفع . قال الله تعالى { يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن ءامنت من قبلُ } الأنعام 158. قال الألوسي ـ رحمه الله ـ: " والحق أن المراد بهذا البعض الذي لا ينفع الإيمان عنده طلوعُ الشمس من مغربها" . ا.ه
وعن أبي هريرة ، عن النبي ، قال: "ومن تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه"و أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فااستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
فهيم أبوخـطـوة ،، البريد الإلكتروني
|