خطب الجمـعة |
|
|
31 |
بسم الله الرحمن الرحيم
صِفات عِباد الرَّحمن 7 ـ لا يقتلون النَّفس التي حرَّم الله إلاَّ بالحق
كتبها : ش عمر علي
ترجمها إلى الإنجليزية: د . فهيم بوخطوة
01 01 1400 هـ
01 01 2000 م
لا زلنا نعيش مع (عباد الرحمن) ولازلنا نعيش في رحاب القرآن، مع هذه الطائفة الراضية المرضيَّة. الذين أثنى الله تعالى عليهم في كتابه. وذكرهم لنا نموذجا يُحتذى ويُقتدى به فيهتدى. ووقفنا في وصافهم عند قوله تعالى: {والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرّم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق آثاما}
إنهم لا يدعون مع الله إلها آخر، بل لا يدعون إلا الله وحده، ولا يعبدون إلا الله وحده، ولا يستعينون ن إلا بالله وحده. شعارهم {إياك نعبد وإياك نستعين}.
بهذا حافظوا على الهدف الأوّل من رسالات الله إلىخلقه، وهو: العقيدة والإيمان.
ولكن الرسائل السّماوية والشرائع الإلهية لم تأت لحفظ الدين والعقيدة فحسب، إنّما جاءت لحفظ الدماء والأنفس، ولحفظ الأعراض والحرمات ولحفظ العقول، ولحفظ الأنساب، ولحفظ الأموال.
فمن هنا قرن الله هذه الصفة بصفةٍ أخرى فقال: {.. ولا يقتلون النفس التي حرّم الله إلا بالحق ..}
والقرآن قرن القتل بالشرك لبشاعة هذه الجريمة وفظاعتها. الشرك إعتداء على الدين. والقتل إعتداء على الحياة. لقد جاءالدين يُحرِّم سفك الدماء. ولا يجيز للإنسان أن يعتدي على إنسان بغير حق. فعباد الرحمن لا يقتلون النفس المعصومة، والنفس المعصومة من نفس الإنسان المسلم. أو نفس الإنسان المعاهد.
من كان يقول ((لا إله إلا الله، وأنّ محمداً رسول الله))، فقد عُصم دمه وماله إلا بالحق. ومن عاهد المسلمين بعقد ذمّة أو هدنةٍ من سلطان مسلم، أو إجازة من مسلم، فلا يجون أن يُعتدى عليه. هذه هي النفس المعصومة فلا يجوز قتلها.
بل كل من سالم المسلمين وألقى إليهم السَّلم وكفَّ يده عنهم فلا يجوز قتله كما قال تعالى: {.. فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السَّلَمَ فما جعا الله لكم معليهم سبيلا} النساء 9. ولكن النّاس من قديم الزمان سوَّلت لهم أنفسهم الأمّارة بالسوء أن يقتل بعضهم بعضا من أجل دنيا تافهة، أو من أجل غضب طارئ، أو من أجل حسدٍ أوكراهيةٍ أو بغضاء، أو لغير ذلك.
حين كان الناس أسرة واحدة من أبٍ وأمٍّ وأولادهما حدثت هذه الجريمة البشعة. قتل إبن آدم أخاه من قديم المزمان كما قصّ علينا القرآن: {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قرباناً فتُقبّل من أحدهما ولم يُتَقَبَّل من الآخر، قال لأقتلنّك، قال إنّما يتقبل الله من المتقين. لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسطٍ يدي إليك لأقتلك، إني أخاف الله رب العالمين. إني أريد أن تبوأ بإثمي وإثمك فتكونن من أصحاب النّار وذلك جزاء الظالمين. فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين} المائدة 27-30.
في فجر البشرية ، في فجر الحياة ، حيث لم يعرف الإنسان كيف يواري جثّة أخيه الإنسان. فهذه أول جريمة تقع على وجه الأرض، حتى بعث الله غراباً يُعلم الإنسان كيف يواري سوءة أخيه. من قديم الزمان تعلم الناس العدوان، من قديم الناس عرف الناس الشر. ووجد في الناس الشرِّير الذي يقتل أخاه بغير ذنب جناه. وَوُجِد في الناس الطيب الوديع المسالم الذي يقول لأخيه: "لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين". وَوُجِد الذي طوّعت له نفسه قتل أخيه فقتله.
ولم يكن هناك مجتمع يهيئ له أسباب الجريمة، كما يقول الذين يزعمون أنّ المجرمين ـ كل المجرمين ـ ضحايا المجتمع، وأنّ المجتمع هو الذي يصنع المجرم، ويدفعه للجريمة.
ولكن ظلم الإنسان قديم وأنّى ظلمٌ أكبر من الإعتداء على الحياة؟ غضب الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: {لا تُقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأوّل كفل منها. لأنّه أول من سنَّ القتل}. رواه احمد وعثيمان.
وعقّب القرآن عليها فقال: {من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا} المائدة 32.
والإسلام لا يُجيز للمسلم أن يقتل المسلم: {وما كان لمؤمنٍ ان يقتل مؤمناً إلا خطأ ..}. إستبعد القرآن كل الإستبعاد أن يقتل المؤمن أخاه المؤمنَ غلا أن يقع ذلك خطأ منه وبغير قصد. وجعل في ذلك الديَّة والكفَارة!
لماذا يقتل المؤمن المؤمن؟
هل في هذه الدنيا ما يستحق أن يقتل المسلم أخاه المسلم من أجله؟ هذه الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة فكيف يقتل الإنسان من أجلها أخاه المسلم. ومن هنا يقول القرآن: {ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدَّ له عذاباً عظيماً}. أنظر إلى هذه العقوبات الضخمة:
1.
فجزاؤه جهنم2.
خالداً فيها3.
وغضب الله عليه4.
ولعنه5.
وأعدَّ له عذاباً عظيماً
جهنم والخلود فيها والغضب واللعنة من الله والعذاب العظيم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه النسائي والترمذي: {لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم}. وجاء في حديث آخر: {لو أنّ أهل السماء وأهل الأرض إشتركوا في دم مؤمن لأكبّهم الله في النّار} رواه الترمذي.
وروى ابن ماجه أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم طاف بالكعبة فقال: {ما أطيبك وأطيب ريحك! ما أعظمك وأعظم حرمتك! والذي نفسي بيده لحرمة المؤمن (أي حرمة دمه وماله وعرضه) أعظم حرمة منك ..}
وقال صلى الله عليه وسلم: {كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه} رواه أحمد ومسلم عن أبي هريرة. وقال صلى الله عليه سلم: {المؤمن: من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم} رواه ابن ماجه واحمد.
فكيف يسوغ بعد هذه النصوص المحكمات في عقل إنسان مسلم وفي ضميره وفي دينه أن تمتد يده بالإثم ليقتل إنسانا بغير حق؟!
في حديث ابن مسعود الذي رواه البخاري وغيره: {أوّل ما يُقضى بين الناس يوم القيامة في الدّماء} البخاري ومسلم. أي أن أول ما يحاسب عليه الناس في المحكمة الإلهية يوم القيامة: الدّماء. وما ذلك إلا لخطرها وعظم أمرها.
ويري عدد من الصحابة وعلماء السلف أنّ القاتل لا توبة له لشدة جُرمه، وذلك لما روى بعضهم: {لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصب دمًا حراماً} أي يضيق عليه دينه ويضيق عليه ذنبه كما في بعض الروايات.
وروى معاوية عن النبيّ صلى الله عليه سلم: {كل ذنب عسى الله أن يغفره إلاّ الرجل يموت كافراً، أو الرجل يقتل مؤمناً متعمداً} رواه الشافعي.
كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا هذين الذنبين: ذنب الشرك والموت على الكفر، وقتل امرئٍ مؤمنٍ بغير حق. ويلحق به أن يساعد على قتله. بل روي إبن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من أعان على قتل مؤمنٍ بشطر كلمة لغير الله مكتوب بين عينيه: "آيس من رحمة الله"} رواه ابن ماجه. قال سفيان بن عينة راوي هذا الحديث: بشطر كلمة أن يقول له (أقـ)، يعني لا يكمل الكلمة: (أقتل). فكيف بمن قتل. لقد حذّر الرسول صلى الله عليه وسلم الأمّة من بعده أن يرتدّوا إلى عصر الجاهلية الجهلاء. فيعادي بعضهم بعضاً، ويقتل بعضهم بعضاً بغير حق. فقال في حجّة الوداع أمام الجماهير المؤمنة بعد أن أمر بإستنصات النّاس: {لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض} متفق عليه.
وفي رواية: {ويلكم ـ أو ويحكم ـ لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقات بعض} متفق عليه.
كما صحّ عنه صلى الله عليه وسلم {سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر}.
القتل أيها الإخوة مسألة كبيرة. والإسلام حرَّم سفك الدماء، سواء دم المسلم أو دم غير المسلم إذا كان بينه وبين المسلمين عهدٌ وميثاق. فقد جاء في حديث البخاري عن عبد الله بن عم أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: {من قتل معاهِداً لم يَرَحْ رائحة الجنّة (أي لم يشمّ رائحتها ) وإنّ ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاماً}.
هذا بالنسبة للإنسان المعاهد وليس بمسلم، فكيف بالمسلم؟! القتل حرام، وسفك الدِّماء حرام، بل من أكبر كبريات الحرام، حتى قال من قال من الصحابة: لا توبة للقاتل. قالوا لأن هناك حقوقاً ثلاية:
حق الله تعالى: وهذا تنفع فيه التوبة.
وحق أولياء الدم (أهل المقتول وورثته): وهؤلاء يمكن أن يسقطوه بالعفو أو بأخذ المدية أو بالصلح.
وحق المقتول نفسه: وقد جاء في الأحاديث: {يأتي المقتول متعلقاً رأسه بإحدى يديه، متلبساً قالتله باليد الأخرى، تشجب أوراجه دماً، حتى يأتي به العرش فيقول المقتول لربّ العالمين: هذا قتلني. فيقول الله عزّ وجل للقاتل: تعِسْت. ويُذهب به إلى النّار}.
وقال الآخرون:إذا تاب توبةً نصوحاً ورضي عنه أولياء الدم، فإنّ الله جدير أن يرضى عن القاتل يوم القيامة. وهو أهل التقوى وأهل المغفرةة. وهذا هو الصحيح والرّاجح إن شاء الله.
هذا ما جاء به الإسلام ـ أيها الإخوة ـ لا تقتل، ولا تشارك في القتل ولو بشطر كلمة . بل جاء في الحديث: {لا يشهد أحدكم قتيلا، لعله أن يكون مظلوما فتصيبه السخطة} رواه أحمد. وفي رواية الطبراني أنّه قال: {فعسى أن يكون مظلوماً فتنزل السخطة عليهم، فتصيبه معهم}.
أيها الإخوة الكرام المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.
نسأل الله عزّ وجل أن يهيِّئ لنا من أمرنا رشدا، وأن يوفق المسلمين إلى حقن دمائهم.
إستغفروا ربَّكم إنّه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم.
والحمد لله رب العالمين