Checkout

خطب الجمـعة

faheemfb@gmail.com

 30


   


بسم الله الرحمن الرحيم

صِفات عِباد الرَّحمن 6 ـ لا يدعون مع الله إله آخر ، التوحيد

  

كتبها : ش  عمر علي

ترجمها إلى الإنجليزية: د . فهيم بوخطوة

 

01 01 1400 هـ

01 01 2000 م

  

أمَّا بعد ،، فيا أيها الإخوة المسلمون، لازلنا نعيش في رحاب القرآن، ومع عباد الرحمن. ومن منا لا يُحب أن ينتمي إلى هذه الفئة الصالحة الصادقة، التي رضيت عن الله تعالى وضي الله عنها، وجعل جزاءها الجنّة {أولئك

 يُجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحيةً وسلاماً}. وسجل ذكرها في كتابه. وذكرهم بهذه الأوصاف الكريمة وهذه السمات الجليلة، وهذه الأخلاق الجميلة.

 

فبين الله تعالى من أول الأمر

حالهم في أنفسهم حال التواضع والسكينة {الذين يمشون علىالأرض هوناً}

وحالهم مع الناس {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً}

وحالهم مع ربهم {والذين يبيتون لربهم سجدا وقياماً}

{والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم . إن عذاهبها كان غراما * إنها ساءت مستقراً ومقاماً}

ثم ذكر حالهم في أموالهم فهم فيها متوسطون معتدلون. شأنهم في كل أمورهم وفي كل حياتهم. منهجهم الوسط وطريقهم الإعتدال: {والذين إذا أنفقوا لم يُسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً}. {وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً}

 

هكذا ذكرهم الله سبحانه وتعالى بتلك الإيجابية. ولكن الدين أمرٌ ونهي. فإذا كان هذا حالهم مع أوامر الله تعالى وتوجيهات الدين. فما هي حالهم مع ما نهى الله عنه. هذا ما ذكرته هذه الآية الكريمة التي نقف عند الفقرة الأولى منها: {والذين لا يدعون مع الله إلهً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلقى آثاما}. إن في سيرتهم غير سيرة المشركين. المشركون يعبدون مع الله أله آخر، ألهة شتى إتخذوها أرباباً من دون الله أو مع الله. والمشركون لا يتورعون عن سفك الدماء وقتل الأنفس، والمشركون لا يتورعون عن هتك الأعراض وسفح الشهوات، ولكن عباد الرحمن تورعوا عن هذا كله.

 

فأول ما اتصفوا به هو التوحيد، ولهذا {لا يدعون مع الله إله آخر}: لا يتجهون إلى غير الله بالدعاء. والدعاء "مخ العبادة" بل الدعاء هو العبادة.

روى الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {الدعاء هو العبادة} رواه مسلم وقرأ {وقال ربكم أدعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داحرين}. فوضع كلمة (الدعاء) موضع كلمة (العبادة). وكلمة (العبادة) موضع كلمة (الدعاء). فا {الذين لا يدعون مع الله إلاه آخر} أي لا يعبدون إلا الله. ولا يقدسون غير الله. ولا يبتهلون إلى غير الله. ولا يسجدون لغير الله. ولا ينحنون لغير الله. إلههم (الله) وحده. وذلك لأن دعوة غير الله تعالى معه أو من دونه، أعظم ما ارتكب من الخطايا والآثام {وإذ قال لقمان لإبنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم} لقمان. {إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}.

سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أي الذنب أكبر؟ قال:{أن تجعل لله نداً وهو خلقك} قال ثم أي؟ قال: {أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك} قال ثم أي؟ قال: {أن تزاني حليلة جارك}. قال عبد الله بن مسعود فأنزل الله تصديق ذلك: {والذين لا يدعون مع الله إله آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق آثاما} مسلم وأحمد.

فعباد الرحمن أفردوا الله سبحانه وتعالى وحده بالعبادة والإستعانة. فهموا سر قوله تعالى: {إيّاك نعبد وإيّاك نستعين} أي: لا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا بك. (... إذا سألت فاسأل الله ووإذا استعنت فاستعن بالله ...). وكما قال الله تعالى على لسان شعيب: {... وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب} هود 88. {ولله غيب السموات والأرض وأليه يُرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه ...} هود 123. إنّ تفرد الله بالعبادة والإنابة وبالتوكل والإستعانة: هذه هي حقيقة التوحيد.

 

والتوحيد نوعان: توحيد الربوبية: أن تعتقد أنه لا رب غير الله، ولا خالق ولا رازق غير الله. فهو خالق السموات والأرض ومالكهما.

وهذا النوع من التوحيد قد اعترف به المشركون. كانت قريش ومشركو العرب يعتفون بأن الله ربّ السموات والأرض. {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله} لقمان 25. {قل من يرزقكم من السماء والأرض، أمن يملك السمع والأبصار ومنن يُخرج الحي من الميت ويُخرج الميت من الحي ومن يدبّر الأمر فسيقولون الله} ومع هذا الإعتراف أشركوا مع الله آلهة أخرى، عبدوا الأحجار وعبدوا الأوثان والأصنام. ومن الناس من عبد الشمس ومن عبد القمر ومنهم ومنهم.

ومن هنا قالوا إنّ توحيد الربوبية لا يغني عن التوحيد الآخر توحيد الألوهية.

توحيد الألوهية: أن لا تؤله غير الله، ولا تتجه بالدعاء والعبادة والإستغاثة والرجاء والخوف إلا إلى الله وحده. وهذا هو التوحيد الذي أنزل الله به كتبه. وبعث به رسله ليدعوا إليه أقوامهم. فإن الذي أضلّ البشرية ليس هو الجحود والإلحاد، بل هو الشك والوثنية.

ولهذا كان النداء الأول في رسالات الرسل: {... يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره...} الأعراف 59. وكان التوحيد هو القاسم المشترك بين رسل الله جميعاً {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} الأنبياء 25. {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أنِ اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} النحل 34.

 

وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يختم رسائله إلى ملوك الأرض (إلى قيصر، إلى أمراء النصارى، وإلى المقوقس، إلى الجاشي ــ وغيرهم من أهل الكتاب) بهذه الآية الكريمة من سورة آل عمران: {قل يأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله...} آل عمران 3 

إن الذي أفسد الحياة وأفسد المجتمعات هو دخول الشرك عليها واتخاذ بعضهم بعضا اربابا من دون الله. فإنهم لم يعبدوا الحجر فقط بل عبدوا البشر.

كان هناك مثل "النمرود" الذي قال أنا أحيي وأميت. فقد حكم على رجل بالإعدام ثم أعدمه وحكم على آخر بالإعدام ثم عفى عنه. فقال: أنذا أحيي وأميت. 

وفرعون الذي ادعى الألوهية وقال لقومه {أنا ربكم الأعلى} {وما علمت لكم من إله غيري}. وهنك كثيرون ادّعوا لأنفسهم أو ادُّعي لهم أنهم آلهة أو أرباب من دون الله. وقد لا يدعون ذلك بألفاظهم، ولكن أعمالهم نبيئ عنهم. وتصرفاتهم تعبر عن هذا التأليه الكامل. فهم يريدون أن يذلوا عباد الله وأن يُصبح الناس لهم عبيداً. بأمرونهم فيطيعون، ويشيرون إليهم ليسمعون، ويشرعون لهم فينفذون. ويحلون لهم الحرام أو يحرمون عليهم الحلال، فيستحيون. لا يقولون لم، ولا يقولون لا.

دخل عدي بن حاتم، وكان قد تنصّر في الجاهلية، على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ هذه الآية: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح بن مريم ، وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً، لا إله إلا هو سبحانه عمّا يشركون}. فقال إنهم لم يعبدوهم قال: {بلى، إنهم حرموا عليهم الحلال واحلوا لهم الحرام فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم}.

 

هذا نوع من العبادة: أن تتخذ أناساً مشرعين يشرعون لك ما شاؤوا، يحلون ويحرمون. اغتصبوا سلطة الإلهية.

 

إن عباد الرحمن أهم صفة لهم أنهم موحدون {والذين لا يدعون مع الله إله آخر..}. وهذا هو دين الإسلام، دين الوحدانية ودين التوحيد. جاء الإسلام محرراً للبشرية بكلمة لا إله إلا الله. فقد كان التوحيد تحريراً حقيقياً للبشرية.

 

ولم يسمح النبي صلى الله عليه وسلم بأي نوع من أنواع الشرك سواءً كان أكبر أو أصغر. فالإسلام نهى عن كل أنواع الشرك.

 نهى الإسلام عن الشرك الظاهر الجلي، كاتخاذ آلهةٍ مع الله. ونهى عن الشرك الباطن الخفي كدعاء الموتى والمقبورين والإستعانة بهم، وطلب قضاء الحوائج منهم.

ونهى عن التبرك بالشجر أو الحجر. ونهى عن الحلف بغير الله تعالى. كأن تقسم بالنبيّ صلى الله عليه وسلم أو بالكعبة أو بالشيخ الفلاني أو بالولي الفلاني. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم {من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك} رواه الترمذي وحسّنه. لا تحلف إلا بالله. {.. من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت} رواه مالك ومسلم.

ومن الشرك الأصغر أن تقول: لولا فلان لحصل كذا وكذا. فالمسلم ينبغي أن يتحرز في ألفاظه ويقول لولا الله ثم فلان لكان كذا وكذا.

قال رجل للنبي صلي الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت. فقال: {أجعلتني لله نداً؟ قل ما شاء الله وحده} رواه أحمد. أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يحرر الإنسان المسلم فلا يتجه إلا لله وحده. حتى الغلو في شخصه صلى الله نما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله}  رواه البخاري. ومن هنا تقول في التشهد: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله".

 

ولهذا وصفه الله بالعبوجية في أسمة المقامات: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً...} و {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ...} و {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ...} و {فأوحى إلى عبده ما أوحى}

 

وهذا هو ما يفتخر به صلى الله عليه وسلم أنه عبد الله . لم يسمح لأحدٍ أن يغلو فيه. ولما جاء بعض الناس وقالوا له: يا رسول الله يا خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا. قال: {يا أيها الناس قولوا بقولكم ولا يستهوينكم الشيطان. أنا محمد عبد الله ورسوله. ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عزّ وجل} رواه النسائي.

 

وحذّر الإسلام من الشرك الأصغر، كالنذر لغير الله، والذبح لغير الله، والرقي والتما\م والتولة وغير ذلك. جاء الإسلام محرراً للإنسان من الشرك. كل أنواع الشرك ، ومن العبودية لغير الله إلى عبادة الله وحده.

 

هؤلاء هم عباد الرحمن، دينهم الإسلام ومنهجهم التوحيد. توحيد الله في ربوبيته وألوهيته، وتوحيد أسمائه وصفاته {والذين لا يدعون مع الله إله آخر}. هؤلاء هم عباد الرحمن، حرروا أنفسهم من كل آلهة سوى الله. فلا يدعونن مع الله إله آخر. وهكذا ينبغي أن يكون المسلم.

 

والحمد لله رب العالمين


faheemfb@gmail.com   فهيم أبوخـطـوة ،، البريد الإلكتروني