خطب الجمـعة |
|
|
28 |
بسم الله الرحمن الرحيم
صفات عباد الرحمن ـ 4 ـ الخوف من النَّار ـ الذين يقولون ربّنا اصرف عنا عذاب جهنم
كتبها : ش عمر علي
ترجمها إلى الإنجليزية: د . فهيم بوخطوة
01 01 1400 هـ
17
أغسطس 2007 م
أمَّا بعد فيا أيّها الإخوة المسلمون لازلنا نعيش مع عباد الرحمن. مع أخلاق هؤلاء الربّانييّن، الذين رضى الله عنهم ورضوا عنه. يقول الله تعالى: {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً * والذين يبيتون لربِّهم سُجَّداً وقياماً * والذين يقولون ربّنا اصرف عنَّا عذاب جهنم ، إنَّ عذابها كان غراما * إنها ساءت مستقراً ومقاما}
وصف الله هؤلاء العباد:
وصف حالهم في أنفــسهم بأنهم: { يمشون على الأرض هوناً }
وصف حالهم مع غـيرهـم بأنهم: { وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً }
وصف حالهم معه سبحانه بأنهم: { والذين يبيتون لربِّهم سُجَّداً وقياماً }
حيث يغفل الغافلون، وينام النائمون، ويغطون في سبات عميق، هؤلاء {يبيتون لربِّهم سُجَّداً وقياماً}
{كانوا قليلا من الليل ما يهجعون * وبالأسحار هم يستغفرون}
ما الذي دفعهم إلى هذا؟
إنه الخوف والطمع، إنه الرغب والرهب، إنه الخوف والرجاء، خوفهم من الله، تذكرهم للآخرة، أنها كانت دائما تجاههم. وأن جهنم كانت نصب أعينهم. لم ينسوا قضيتهم المصيرية الأولى: أنهم إلى الله صائرون، أنهم مهما عاشوا في هذه الدنيا فإنهم ميِّتون، وأنهم بعد الموت مبعوثون، وأنهم بعد البعث محاسبون، فإما إلى جنّة، وإما إلى نار. ولهذا كانت جهنم دائما أمامهم .
لهذا وصفهم الله بقوله: {والذين يقولون ربنا اصرف عنّا عذاب جهنّم ، إنّ عذابها كان غراماً} الفرقان 65. والغرام هو: الملازم الدائم المقيم. كل شيئ يزول عنك فليس بغرام. إنما الغرام: ما لزمك وأقام معك.
{إنها ساءت مستقراً ومقاماً}. وأي مقام أسوأ، وأي مستقر أقبح من جهنّم. الدار التي أعدها الله للعصاة والمكذِّبين من عباده.
يا أيها النّاس إتقوا هذه النار، إتقوا جهنّم : {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها النّاس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون}
لو كان الموت نهاية المطاف لكان الأمر هيِّناً، ولكن الموت أشد مما قبله وأهون مما بعده.
هناك بعد الموت بعث، وهناك بعد البعث حشر، وهناك بعد الحشر موقف، وهناك بعد الموقف حساب وميزان وصحف تتطاير. ولا تدري أتأخذها باليمين أم بالشمال؟ ولا تدري إلى أين يميل لسان الميزان: إلى جانت الحسنات أو إلى جانب السيئات؟ أيثقل ميزانك فتكون ممن عيشته راضية؟ أم يخف ميزانك فتكون أمك هاوية؟ {وما أدراك ما هي * نار حاميةٌ}
هناك الموت وسكرته، هناك القبر وضمّته، هناك الموقف وزحمته، هناك الميزان ودقّته، هناك الحساب وسرعته، هناك الرَّب وعضبته، وهناك الجنّة ونعيمها وهناك النّار ولهيبها.
عباد الرحمن وضعوا نصب أعينهم (جهنم)، وكأنها تريد أن تلفحهم. كأنها تفتح فاها لتلتهمهم. ولذلك عداؤهم: { ربنا اصرف عنّا عذاب جهنّم}. لأنّ كلُّ النّاس وارد عليها، مارٌّ بها، الصراط فوقها، منصوب عليها، يا ترى أتنجو؟ أم تسقط؟ أتسلم أم تهلك؟ أتمرُّ عليها مرّاً سريعاً أم تختطفك الكلاليب حتى تهوي إلى جهنم؟ {وإن منكم إلا واردها، كان على ربِّك حتما مقضياً * ثمَّ نُنْجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها حثياً}
كان أحد الشباب الصالح (إبن أبي ميسرة) يبكي إذا أوى إلى فراشه ويقول ليت أمي لم تلدني، فقالت له أمُّه: يا بني إنّ الله أحسن إليك حين هداك إلى الإسلام. قال: ولكن يا أمّاه إنّ الله أخبرنا أنّنا واردون على النّار ولم يخبرنا أنّنا صادرون عنها.
كلنا وارد على النّار، تُرى من ينجو ومن لا ينجو؟
إنّ مشكلتنا أيها الإخوة أنّ الآخرة بعيدة عنّا، بعيدة عن تفكيرنا. لا نفكر إلا في الدنيا وما فيها. فأصبحت الدنيا أكبر همِّنا، ومبلغ علمنا ومحور تفكيرنا، ومدار إهتمامنا.
كل امرئ مُصبحٌ في إهله والموت أدنى له من شراك نعله
{وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب} ولكن عباد الرحمن صنف آخر. إنهم يذكرون الآخرة ويذكرون جهنم : {والذين يقولون ربنا اصرف عنّا عذاب جهنّم ، إنّ عذابها كان غراماً}
روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم {ربّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النّار}. رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل الله تعالى أن يقيه عذاب النّار وهو الذي غُفِر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر!
وكان يعلِّم أصحابه، كما روى إبن عبّاس، هذا الدّعاء كما يعلمهم السورة من القرآن: {قولوا اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدّجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات}. وهكذى كان يقولها دبر كل صلاة في آخر التشهّد. وهذا ما يَسُنُّ لنا أن نفعله حتى رأي ابن حزم وجوب هذا الدعاء في آخر كلُّ صلاة.
أيها الإخوة المسلمون لابد أن يظل المسلم ذاكراً للنَّار. وما أدراكم ما النَّار؟ إنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: {نارُ بني آدم التي توقدون جزءٌ من سبعين جزءاً من نار جهنَّم. قالو: يا رسول الله،ن إن كانت لكافية (نار الدنيا ليست هيِّنَة فمن يصبر على حرِّها) قال: فإنها فُضِّلَت عليها بتسعة وستين جزءاً} متفق عليه. وكما روى عن داوود عليه السلام: "إلهي لا صبر لي على حرِّ شمسك، فكيف أصبر على حرِّ نارك؟!".
إلهي لست للفردوس أهـــلاً ولا أقوى على نار الجحيم
فهب لي توبةً واغفر ذنوبي فإنَّك غـــافر الذنب العظيم
وكما قال الآخر:
جسمي على الشمس ليس يقوى ولا على أهون الحرارة!
فكــيف يـقــوى عــلى جــحــيمٍ وقودها النَّاس والحجارة!
إنَّ الله وصف أولي الألباب، الذين يتفكّرون في خلق السموات والأرض، الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم بأنهم يقولون: {ربَّنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النَّار * ربَّنا إنَّك من تُدخِل النّار فقد أخزيته، وما للظالمين من أنصار}
{فقد أخزيته} أهنته وأذللته. فالنَّار ليست عذاباً حسِّياً فقط، لكنها عذاب معنوي أيضاً.
كان بعض الصالحين يتعلق بأستار الكعبة ويقول: يا رب، أما كان لك من عقوبة إلا النَّار؟ كيف لنا الصبر عليها؟
وروي أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقول: {لا تنسوا العظيمتين: الجنّة والنّار} رواه المنذري في الترغيب والترهيب. أيّ عظم أعظم من هاتين العظيمتين؟ أين أين يكون الصبر؟ أدار النعيم أم دار العذاب؟
قال صلى الله عليه وسلم: {ما رأيتُ مثل النَّار: نام هاربها، ولا مثل الجنّة: نام طالبها} رواه الترمذي وحسَّنه.
أيها الإخوة المؤمنون، مهما عاش الإنسان في هذه الدنيا فلابد أنَّه ميِّت. عش ما شِئْتَ. عش سبعين سنةً، أو مائة سنة أو مائتي سنة أو ألف سنة، ثم ماذا؟ ستموت. إمَّا إلى الجنّة وإمَّا إلى النّار. كما جاء في الأثر: {والذي نفسي بيده، ما بعد الموت من دار إلا الجنّة والنّار} رواه مسلم.
هذا هو شأن المؤمنين في ذكرٍ دائم للجنّة والنّار. علينا أن ننقذ أنفسنا من النّار بعمل الصالحات وترك المنكرات واجتناب السيِّئات. أنقذ نفسك أيّها المسلم بأداء الفرائض واجتناب المحارم. أنقذ نفسك من النّار بأداء الحقوق، حقّ الله، وحقوق النّاس.
كان عيسى ابن مريم عليه السلام يقول: "كم من جسدٍ صحيح، ولسانٍ فصيح، ووجه صبي، غداً بين أطباق النّار يصبح".
غداً حسابٌ ولا عمل، واليوم عملٌ ولا حساب. فاعمل اليوم للغد لتنقذ نفسك من النّار. كان من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم: {.. وأسألك الجنّة وما قرَّب إليها من قولٍ أو عمل. وأعوذ بك من النّار وما قرَّب إليها من قولٍ أو عمل}.
وكان صلى الله عليه وسلم يقول: {من سأل الله الجنّة ثلاث مرَّات، قالت الجنّة اللهم أدخله الجنّة. ومن إستجار من النّار ثلاث مرّات قالت النَّار: اللهم أجره من النّار} رواه مالك ومسلم.
أيها الإخوة المؤمنون، إذا أردنا أن تكون من عباد الرحمن فعلينا بتذكُّر الآخرة، وما أعدَّ الله فيها من نعيم مقيم أو عذابٍ أليم.
مرَّ الحسن البصري على شاب مستغرقٍ في الضحك، فقال له: يا هذا، علام إستغراقك في الضحك؟ أعرفتَ هل تأخذ كتابك بيمينك أم بشمالك؟ قال: لا. قال: أمررت بالصراط ونجوت منه؟ قال: لا. قال: أعرفت أنّك هاوٍ إلىالنار أو ناجٍ منها؟ قال: لا. قال: فعلام صحكك؟ فبكى الشاب.
علام يضحك النَّاس ويستغرقون في اللهو والغفلة، والأمر خطير؟ والخطب جليل؟
وليس معنى هذا أن يظلَّ النَّاس باكين. ولكن ليذكر النَّاس الآخرة الحين بعد الحين. ساعة وساعة. أذكروا الآخرة، ولا تطرحوها ورائكم. أذكروها حتى تستقيم حياتكم ، وحتى تقْوَمَ أعمالكم.
{ربَّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النَّار}.
والحمد لله رب العالمين
faheemfb@gmail.com فهيم أبوخـطـوة ،، البريد الإلكتروني