خطب الجمـعة |
|
|
25 |
بسم الله الرحمن الرحيم
صفات عباد الرحمن 1 ـ يمشون على الأرض هوناً
كتبها : ش عمر علي
ترجمها إلى الإنجليزية: د . فهيم بوخطوة
01 01 1400 هـ
01 01 2000
نعم لأنها تُعبِّر عن الشخصية. وعباد الرحمن يمشون على الأرض هوناً. يمشون متواضعين، هيِّنين ليِّنين ، يمشون بسكينة ووقار. لا بِتجبُّر ولا إستكبار. لا يستعلون على أحد ، لا ينتفشون ولا ينتفخون.
إنّما يمشون متواضعين ، يمشون مشية من يعلم أنّه من الأرض خرج ، وإلى الأرض يعود {منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارةً أخرى} .
وفي وصايا الله الحكيمة في سورة الإسراء كان النهي عن المشي المرح والأشر والبطر والإختيال والفخر. وكانت إحدى هذه الوصايا {ولا تمشي في الأرض مرحاً. إنّك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً}.
{إنّك لن تخرق الأرض} مهما دببت برجليك . {ولن تبلغ الجبال طولاً} مهما تطاولت بعنقك ، وشمخت برأسك. فامشي إذاً متواضعاً حتى يحبّك الله ، وحتى يحبّك النّاس. فالله لا يحب المختال الفخور. ولهذا نجد القرآن في آيةٍ ثالثة يحكي لنا عن وصيّة لقمان لإبنه وهو يعظه ، فكان من وصاياه: {ولا تصعِّر خدَّك للنّاس ولا تمشي في الأرض مرحاً ، إنّ الله لا يحبُّ كل مختالٍ فخور. واقصد في مشيك واغضض من صوتك . إنّ أنكر الأصوات لصوت الحمير}.
{ولا تصعِّر خدَّك للنَّاس}: لا تكلِّم النَّاس وأنت معرضٌ عنهم، مشيح عنهم بوجهك ، ولا تجعلهم يكلمونك وأنت معرض عنهم . بل أقبل عليهم ووجهك منبسط إليهم.
{ولا تمشي في الأرض مرحا ، إنّ الله لا يحبُّ كلّ مختالٍ فخور}: المختال الذي يظهر أثر الكِبَر في أفعاله . والفخور الذي يظهر أثر الكبر في أقواله . فهو يقول أنا فلان ،، وابن فلان ، ومن أسرة فلان.
الله لا يحبُّ المختال الفخور . إنّما يحب الله المتواضع الذي يعرف قدر نفسه، ولا يحتقر أحداً من النّاس.
{الذين يمشون على الأرض هوناً}: لنس معنى الهَوْن أنهم يمشون متماوتين متمارضين ، كما يفعل بعض من ينتسب إلى التقوى والصلاح. فهو يتماوت ويتصنّع. لا ، ما كان هكذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا كان أصحابه.
كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم ـ كما روى عه علي بن أبي طالب ـ إذا مشى تكفّأ تكفؤاً كأنّما ينحط من صبب (أي كأنّه ينزل مرتفع إلى منحدر) . وهي مشية أولي العزم والهِمَّة والشجاعة. كما قال إبن القيِّم رحمه الله في كتابه القيِّم "زاد المعاد في هدي خير العباد".
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: ما رأيت شيئاً أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم. كأن الشمس تجري في وجهه، وما رأيت أحداً أسرع في مشيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأنّما الأرض تُطوَى له. وإنّا لنُجهِد أنفسنا وهو غير مكترث.
هكذا لم يكن صلى الله عليه وسلم متماوتاً ولا بطيئاً. وليس معنى السرعة هنا: السرعة التي تذهب بالوقار. بل الوسط، لا بالسريع المفرط، ولا بالبطئ المفرِّط. هذا هو مشي المؤمنين. مشي فيه قوّة ، وفيه في نفس الوقت تواضع.
وهكذا كان عمر رضي الله عنه ، رأى شاباً يتماوت في مشيته فقال: أأنت مريض؟ قال: ما أنا بمرض. قال: فلا تمشي هكذى ، وعلاه بدرّته. أمره أن يمشي مشي الأقوياء المتواضعين.
ورأت إحدى الصحابيات شُبَّاناً يمشون متهالكين متماوتين ، فسألت عنهم: من هؤلاء؟ قالوا: هؤلاء نُسَّاك عُبَّاد. قالت: والله لقد كان عمر إذا مشى أسرع ، وإذا تكلم أسمع ، وإذا ضرب أوجع ، وكان هو النّاسك حقاً! :ل أفعاله تدل على القوّة، ليس بالمتماوت.
فليس معنى المشي الهون أنهم يمشون متماوتين. لا ، ما يزيد الإسلام لهذا الإنسان المتماوت المتمارض.
رأي عمر بعض النّاس يتخشع في صلاته ، ويتصنّع ويطأطئ رقبته ، فعلاه بالدُرَّة وقال: يا هذا، إرفع رأسك ، لا تُمِتْ علينا ديننا أماتك الله، إنّ الخشوع في القلوب، ليس الخشوع في الرِّقاب.
فهذا الذي نريده بالمشي الهون. {الذين يمشون على الأرض هوناً}: أي يمشون ليِّنين متواضعين مع القوّة أيضاً. والسرعة المتوسِّطة على حسب مقدرتهم واستطاعتهم.
التحذير كلّه أن يمشي الإنسان في الأرض مرحاً ، وأن يمشي الإنسان في الأرض مختالاً. قد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك أشدَّ التحذير وقال: {من تعظّم في نفسه أو إختال في مشيته لقى الله تبارك وتعالى وهو عليه غضبان} وقال: {بينما رجل ممّن كان قبلكم يتبختر (يمشي في برديه) قد أعجبته نفسه. فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة}. يمشي متبختراً في بُرديه ، معجبا بنفسه، شامخا بأنفه، ثانياً لمعطفه ، مصعِّرا لخدِّه ، فخسف الله به الأرض. كما خسف بقارون حينما خرج على قومه في زينته، مختالاً فخوراً، فخسف الله به {.. به وبداره الأرض فما كان له من فئةٍ ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين}. علامَ إذاً يستكبر النّاس؟ علامَ يتجبَّرون؟ علام يستعلون على غيرهم؟ لو نظروا إى أنفسهم لوجدوا كما قال الإمام الغزالي: أن أباهُم الماءُ المهين ، وجدّهم التراب. وكما قال تعالى: {... وبدأ خلق الإنسان من طين * ثم جعل نسله من سلالة من ماءٍ مهين}
رأى مطرَّف بن عبد الله بن الشخير ، المهلّبَ يمشي متبختراً ، فهمزه ونهاه عن هذه المشية وقال: إن هذه مشية يبغضها الله عزّ وجل. وكان المهلّب قائداً من القوّاد الكبار فقال له أما تعرفني؟ قال له: نعم أعرفك وأعرف أوّلك وآخرك. أوّلك نطفة مذرة ، وآخرك جيفة قذرة ، وأنت فيما بين ذلك تحمل المعذرة (البول والبراز)!
أوّلك نطفة ... ماء مهين كما ورد عن بعض السلف: عجبت لمن جرى مجرى البول مرتين كيف يتكبّر؟! لأنّه وهو نطفة خارج من أبيه جرى في مجرى البول. وهو أيضا حينما وُلِدَ جرى في مجرى البول. وقال الحسن: عَجِبْتُ لمن يغسل الخرءَ بيده مرةً أو مرتين كل يوم ، كيف يتكبّر على جبّار السماوات.
لمذا يتكبّر الإنسان؟ علام يتكبّر؟ وعلام يختال؟ وعلام يفتخر على غيره مادام أوله نطفة وآخره جيفة؟
آخره الموت الذي يُسوِّي بين الكبير والحقير، والغنيِّ والفقير. الكل ينتهي فعلام يتكبَّرِ المتكبرون؟
الأرض التي يمشي عليها الإنسان مرحاً ، هذه الأرض تُرى ماذا وارت من الكبار؟ ماذا وارت من الأثرياء؟ ماذا وارت من الأمراء؟ ماذا وارت من الملوك؟ يقول الشاعر:
ولا تمشِ فوق الأرض إلا تواضعاً فكم تحتها قــومٌ هُمُو مِنْك أرفـعُ
وإن كـنت في عزّ ٍ وجاهٍ ومنعـةٍ فكم مات مـن قومٍ هُـمُو مِنْك أمنعُ
ويقول أبو العلاء المعرِّي في قصيدة رائعة:
صاح هذي قـبورنا تملأ الرحـبَ فأين القبـور من عهد عادِ؟!
خـفف الوطأ ، ما أظنّ أديـم الأ رض إلا مـن هذه الأجساد!
سِـرْ إن إستطعت في الهواء رويداً لا اختيالاً على رُفات العباد!
فـقـبيـح بنـا وإن قـدم العهـد هـوان الآبــاء والأجـداد
لا تمشِ في الأرض مرحاً ! إعرف قدرك أيها الإنسان ، تواضع لله ، فمن تواضع لله رفعه .
فهو في نفسه حقير ، وعند الناس كبير. ومتى تكبَّر وصنعه الله. فهو في نفسه كبير وعند الله حقير.
إذا كان الإنسان يختال ويفتخر ويتعاظم ليكون عظيماً عند النّاس ، فالعكس هو الصحيح إنّ هذا يحقره عند النّاس، ويجعله بغيضاً إلى النّاس كما هو بغيض إلى الله عزَّ وجل.
ولهذا كان على الإنسان المؤمن أن يتواضع ، كما قالت عائشة رضي الله عنها، أفضل عبادة للمؤمنين التواضع . كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر النّاس تواضعاً ، على ما له من مقام عند الله وعند النّاس. كان يمشي خلف أصحابه كواحد منهم، وكان يجلس بينهم لا يتميَّز عليهم ، حتى إنّ الرجل الغريب ليأتي فيقول: أيُّكم محمّد؟ أيكم ابن عبد المطلب؟ لأنّه لا يتميز بشئ عن أصحابه. وكان في بيته يكون في مهنة أهله ، يرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويحلب شاته، ويطحن مع الجارية والغلام بيديه الكريمتين صلى الله عليه وسلم.
على الإنسان المؤمن أن يتعلم التواضع ، وأن يمشي في الأرض هوناً. هذه أول صفات عباد الرحمن.
التواضع يظهر أثره في المشي، وتزيد المرأة المسلمة في صفة المشي أنّها تمشي على إستحياء. كما وصف الله تلك المرأة إبنة الشيخ الكبير فقال: {فجائته إحداهما تمشي على استحياءٍ}. وقال تعالى: {ولا يضربن بأرجلهن لِيُعْلَم ما يُخفين من زينتهن}.
إنَّ المقبول عند الله وعند النّاس ليس بالخيلاء ولا بالإفتخار. فالله لا ينظر إلى من جرَّ إزاره خيلاء، لا ينظر إلى من استكبر على عباد الله. وبحسب إمرئ من البشر أن يستكبر على أخيه المسلم. إنّما ينظر الله إلى المتواضعي ، الذين تواضعوا لله، وتواضعوا لعباده. حتى أنّ الله تعالى مدح الذِّلة على المؤمنين بقوله في وصف عباده المخلصين: {... أذلّة على المؤمنين أعزَّةٍ على الكافرين}
نسأل الله عزّ وجل أن يجعلنا من عباد الرحمن {الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب}
إستغفروا ربكم إنه هوالغفور الرحيم ، وادعوه يستجب لكم .
والحمد لله رب العالمين
faheemfb@gmail.com فهيم أبوخـطـوة ،، البريد الإلكتروني