Checkout

خطب الجمـعة

faheemfb@gmail.com

 24


   


بسم الله الرحمن الرحيم

الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر

  

كتبها : ش 

ترجمها إلى الإنجليزية: د . فهيم بوخطوة

 

01 01 1400 هـ

01 01 2000

  

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا يضل يمن يضلل فلا هادي له ، ولن تجد له من دون الله ولــيّا مرشدا .

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، فرض على عباده الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال سبحانه : {ولتكن منكم أمّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف  وينهون عمن المنكر وأولئك هم المفلحون}

 

وقال عزّ من قائل: {كنتم خير أمّة أُخرجت للنّاس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}

 

واشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وصفيّه من خلقه وخليله ، أوّل من قام بفريضة الأمر بالمعروف  من أمّته ، فأمر بالمعروف ونهى عن المنكر وجاهد في الله حق جهاده ، فقاوم الطغاة والظالمين حتى طهّر الأرض من رجسهم وأمر أتباعه بما أمرهم به ربهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: [من رأى منكم منكراَ فليغيّره بيده ،فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان]

 

أيها الإخوة الكرام إقتضت حكمته سبحانه وتعالى أن يختلف الحق والباطل ، وأن يكون للحق أنصاره وأهله أن يكون للباطل أنصاره وأهله ، وأن يتصارع أهل الحق وأهل الباطل ، وأن يقوى أهل الباطل أحياناً ، وأن يضعف أهل الحق أحياناً . ولكن أهل الحق على ضعفهم وقوّتهم ـ يتّصفون بصفة لا تفارقهم . ويقومونن بوظائفهم مهما إدلهمّت الخطوب ، واحلولكت الليالي ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .

 

قال تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض  يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} التوبة . وجاءت هده الآية الكريمة بعد الحديث عن المافقين والمنافقات وكيف يتمالؤن على الفساد . فقد سبقها قوله تعالى: {المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض بأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف} التوبة . قال القرطبي: "فجعل الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرقاً بين المؤمنين والمنالقين ، فدلّ على أن أخص أوصاف المؤمنين: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ورأسها الدعاء إلى الإسلام". وقد سرد الإمام الغزالي رحمه الله هذه الصفة الثانية أيضا وعقّب عليها تعقيباً قيماً فقال: "قال تعالي {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون ، يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ويسارعون في الخيرات ، وأولئك من الصالحين}"

 

فلم يشهد لهم بالصلاح بمجرد الإيمان بالله واليوم الآخر حتى أضاف إليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

 

وأن خيرية هذه الأمّة أيها الإخوة إنما يكون بإستمساكها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر {كنت خير أمّة أخرحت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} . فيه كانت أمّتنا خير الأمم . وقال تعالى: {فلمّا نسوا ما ذُكّروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون} ، فبيّن أنهم إستفادوا النجاة بالنهي عن السوء وقال تعالى كذلك في وصف المؤمنين: {الذين إن مكّنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر} . ولم يكن حالهم كذالك الذي: {إذا تولّى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد وإذا قيل له إتق الله أخذته العزّة بالإثم} . فصفة الصالحين هي الإمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أكبر موجبات هلاك الأمم . قال تعالى: {فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض} .

 

أيها الإخوة الكرام فالدعوة إلى الخير ـ وأعلاها الدعوة إلى الله ـ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ واجبة على كل مسلم بقدر إستطاعته . لأن ذلك من صفات المؤمنين ولآن الحديث الشريف الذي ذكرناه في إزالة المنكر الدي رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري: (من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) ، أمر كلّ مسلم ومسلمة بإزالة المنكر حسب إستطاعته . والشأن في المسلم المبادرة إلى الأمر بالمعروف وانهي عن المنكر . فعلى كلِّ منّا المبادرة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . ففي ذلك النّجاة والفوز بالجنان . فالبدار البدار قبل فوات الأوان وتصغر شمس العمر ويحين الغروب .

 

أيها الإخوة المسلمون ، قد يقول قائل إنّ الله تعالى قال: {يأيها النّـاس عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم} ، ويستدل بها على عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . ولهذا الإحجام اعتبره إبن القيّم الجوزية من أعظم مكائد الشيطان .فيلقى الشيظان في روع البعض (ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في قالب التودّد إلى الناس وحسن الخلق معهم والعمل بقوله تعالى {عليكم أنفسكم})

 

وقد رُدّ على هذه الشبهة بأنّه لا يقتضى ترك الأمر بالمعروق والنهي عن المنكر ففي السنن عن أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه أنه خطب على منبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: (أيّها الناس: إنّكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها في غير موضعها ، وإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: [إن النّاس إذا رأوا المنكر فلم يغيّروه أوشك أن يعمّهم الله بعقاب منه] )

 

إذن فعلينا أن نأمر بالمعروف ، وننهى عن المنكر فإدا رأينا كا جاء في حديث أبي ثعلبة رضي الله عنه مرفوعاً (إذا رأيت شُحاً مطاعاً ، وهوىً مُتّبعاً ،ودنيا مُؤثرة ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخولصة نفسك) . وعند ذلك لا يضركم من ضلّ إذا إهتديتم .

 

أيّها الإخوة المسلمون ، إنّ الحكمة من إرسال الرسل ، وإنزال الكتب إنما لإقامة الحُجّة على العباد بالإمر بمعروف ونهي عن منكر . فوظيفة الرسل جميعهم هي الأمر بعبادة الله وحده وذلك أعرف المعروف ، والنهي عن الشرك في عبادته سبحانه وذلك أنكر المنكر . {رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجّة بعد الرُسل} . ثم رفع الله قدر هذه الأمّة كما أسلفنا بأن جعلها ورثة الأنبياء ووصفها بأكرم وصف {كنتم خير أمّة أُخرجت للنّاس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر}

 

وإنّ أول ما يبدأ به المسلم من المعروف ، وما ينكره من المنكر هو ما يكون إلى نفسه التي بين جنبيه ، فهي أحق من ينصح له ، وأوّل من يبرّه بالهداية إلى الخير والبعد عن الشر . وقد كانن ذلك من سمت الصحابة الذين أخذوه عن نبيهم صلّى الله عليه وسلّم . فكانوا كأنهم قرآن يمشي وعلى نهجهم سار العلماء والصالحون .

 

فكان العلماء أشبه النّاس علانية بسريرة ، وسريرة بعلانية كما جاء في وصف الحسن البصري إذ قيل (كان أشبه النّاس علانية بسريرة ، وسريرة بعلانية ، وآخذ النّاس لنفسه بما يأمر به غيره ) .

 

هكذا كان سلفنا الصالح منذ عصر الصحابة والتابعين فمن بعدهم . تغلب في علمائهم هذه الصفات . فكانوا مبعث خير ومصابيح هداية وأدلّة طريق . كانوا كما قال الإمام أحمد في الشافعين (كالشمس للدنيا وكالعافية للبدن) . فكانوا حقاً قدوة للناس علماً وعملاً فلا يأمرون النّاس بمعروف إلاّ وقد أمروا أنفسهم به أولاً ، ولا نهوهم عن منكر إلاّ بعد أن إنتهت أنفسهم عنه . فحريٌّ بمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر أن يبذأ بنفسه فيبرّها ويأخذها بالحق ثم يكون عليه بعد ذلك أن يبرّ النّاس بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر .

 

قال الله تعالى: {أتأمرون النّاس بالبرّ وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفر تعقلون} وقال تعالى: {يأيّها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون ، كبُر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} . وعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: [يُؤتى بالرّجُل يوم القيامة فيُلقى في النّار ، فتندلق أقتاب بطنه ، فيدور بها كما يدور الحمار في الرضي ، فيجتمع إليه النّاس فيقولون يا فلان ما لك ؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ؟ فيقول بلى كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه ، وأنهاكم عن المنكر وآتيه] . فشُــدّد عليه الأمر لعصيانه ومخالفته ما يأمر به النّاس والله غالب على أمره ولا حول ولا قوّة إلا بالله .

 

وقال الشعبي: يطّلع يوم القيامة قومٌ من أهل الجنّة على أهل النّار فيقولون لهم: ما أدخلكم النّار وإنّما أدخلنا الله الجنّة بفضل تأديبكم وعليمكم ؟ فيقولون: إنّا كنّا نأمر بالخير ولا نفعله وننهى عن الشر ونفعله . وقال مالك بن دينار: إنّ العالِم (أو الواعظ) إذا لم يعمل بعلمه زلّت موعظته عن القلوب كما يزلُّ المقطر عن الصفا .

 

وقال الشاعر:

 

يا واعظ الناس قد أصبحت متـهماً                إذا عبت منهم أموراً أنت تأتيها

أصبحت تنصحهم بالوعظ مجتهداً               فالموبقات لعمري أنت جانيــها

تعـيبُ دنيا وناساً راغبين لهــــــــا                وأنت أكثر منهم رغبة فيــــــها

 

وقال آخر،،

 

يا أيّها الرجل المعلمُ غــــــــــــــــــيره هلاّ لنفسك كان ذا التعــليمُ

تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى كيما يصح به وأنت ســقيم

ونراك تصلح بارشاد عـــــــــقولـــــنا أبداً وأنت من الرشاد عديم

فابـدأ بنفسك فــانههـــا عن غيـّـــــهــا  فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

فهناك يُـقـبل ما تقـــول ويـهــتـــــــدي بالــقـول منك وينفع التعليم

لا تنــه عن خــلقٍ وتــاتي مـــــــثـــله  عـارٌ عليك إذا فعلت عظيم


faheemfb@gmail.com   فهيم أبوخـطـوة ،، البريد الإلكتروني