Checkout

خطب الجمـعة

faheemfb@gmail.com

147

      

 

     
 

     


بسم الله الرحمن الرحيم

الصبر على طريق الله

 

كتبها : الشيخ عمر علي

ترجمها إلى الإنجليزية : د . فهيم بوخطوة

 

13 ذو الحجَّـة 1431

19 نوفمـبر  2010

 

أما بعد عباد الله:

يقول الله تعالى:{إنما يُوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} ويقول الله تعالى: {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم} ويقول جل من قائل: {أحسب الناس أن يتركو أن يقولوا أمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين}.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له}. وقد سئل صلى الله عليه وسلم: أيُّ الناس أشد بلاء؟ فقال: {الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الناس على قدر دينهم فمن ثخن دينه اشتد بلاؤه، ومن ضعف دينه ضعف بلاؤه، وإن الرجل ليصيبه البلاء حتى يمشي على الأرض ما عليه خطيئة}. ويقول أيضا: {من يُرد الله به خيرا يُصب منه}. ويقول صلى الله عليه وسلم: {إذا أحب الله قوما ابتلاهم فمن رضي فبه الرضى ومن سخط فله السخط} . فالإبتلاء والمحن سنة الله في خلقه ليمتحن صدق إيمانهم ولذلك أمر الله بالصبر وما من نبي إلا وأمره الله بالصبر، ولم تنجح دعوته إلا بذلك {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ} (الأنعام:34)، جاءتك أخبار الذين مضوا من قبلكم وأنهم كُذِّبوا وأوذوا وصبروا على ذلك كله، لهذا كان الله تعالى يأمر عبده ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم بل ويأمر جميع الأنبياء بذلك: {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} (إبراهيم:12) هكذا هم الأنبياء يقابلون أممهم بالصبر يقابلون الجاهلين يقابلون الماكرين الحاسدين يقابلون كذلك الأمراض والفقر وسائر مهام الدنيا بالصبر فإن الله عز وجل قد فتن الناس بعضهم ببعض فقال في كتابه الكريم: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرً} (الفرقان:20) هذه هي الحياة وتلك هي طبيعتها، فالحياة قائمة على هذه الحقيقة الظاهرة وهي كونها دار اختبار ودار امتحان {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلً} (الملك:1-2) ما خلق الله الموت والحياة ولا قامت السموات والأرض ولا وُجِدَت البرية جنها وإنسها إلا لقصد الابتلاء ولقصد من يصبرمن الناس ومن لا يصبر من ينجح في الإمتحان ومن يرسب هذه هي حكمة الحياة.

 

قال الله سبحانه وتعالى مبيناً مسلياً لنبيه عليه الصلاة والسلام: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (البقرة:155) بشر الصابرين.
من هم الصابرون هم الذين يُوَفَّون أجورهم بغير حساب {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (الزمر:10). وبشر الصابرين.فاستعن أخي في الله استعن على طاعة الله عز وجل بالصبر، بالصبر على عبادته، بالصبر على طاعته بالصبر على الإستقامة على طريقه وأتباع نهجه وشريعته {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ} (مريم:65) اصطبر فإنه فلاح {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} (البقرة:45) إذا أردت أن تفلح في هذه الحياة الدنيا فكن ملازماً للصبر، للصبر في الحق وللصبر على الحق وللصبر في الدعوة إلى الله والتعليم ولتحمل مشاق هذه الحياة. فالأحرار والأتقياء الأبرار هم الذين يصبرون على مهام الدنيا ومشاق الدنيا فإن الصبر يعتبر برًّا لله سبحانه وتعالى وليس نقيصة ولا ذلاً في حقه يقول الله سبحانه: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (البقرة:177).

 

لا يمكن أيها الأخ المسلم وأيتها الأخت المسلمة أن يُتحصل على خيري الدنيا والآخرة إلا بالصبر وقد كان شيخ الإسلام رحمة الله عليه يقول: {لن تنال الإمامة في الدين إلا بالصبر واليقين} حتى على العلم من أهم الوسلئل أليه الصبر عبيه على العلم والتلقي والتحمل وما إلى ذلك مما يحصل في هذه الحياة الدنيا {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ} (السجدة:24). كيف نالوا الإمامة في الدين بصبرهم ويقينهم بالله تعالى.

أيها الأخوة المؤمنون: لقد صور الله لنا في كتابه الكريم صورا رائعة كثيرة عن صبر الأنبياء والمرسلين والشهداء والصديقين، والدعاة والمصلحين في مصارعتهم لأقوامهم الضالين الكافرين الجاهلين وليس منهم إلا من قارع الباطل بحقه، وأخذ من كأس المحنة والبلاء بحظه ثم ماذا حدث الذي حدث أنه كانت له العاقبة بعد ذلك والعاقبة للمتقين: {حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يُرد بأسنا عن القوم المجرمين}. فالمؤمن حق الإيمان هو ذلك الذي يصبر ويحتسب آلام الزمان ومشاق الحياة في سبيل دعوته وفي سبيل دينه، ولا يجزع لمصيبة تصيبه أو محنة تنزل به ويتمثل قول الشافعي إذ يقول:

دع الأيـام تـفــعـل مـا تــــشاء        وطب نفسا إذ حكم القضاء

ولا تـجـزع لـحـادثـة اللـــــيالي        فـمـا لحـوادث الـدنيـا بقاء

وكن رجلا على الأهوال جلدا     وشيمتك السمـاحة والوفـاء

وأرض الله واســعــة ولــكـــــن        إذا نزل القضا ضاق الفضاء

 

أخي الحبيب واعلم أنه لا صبر إلا بيقين بالله وحكمته وعدله، وباليوم الآخر وما فيه من جزاء وحساب عادللقول النبي صلى الله عليه وسلم: {ما من عبد مؤمن أصيب بمصيبة فقال كما أمر الله تعالى: {إنا لله وإنا إليه راجعون } {اللهم اؤجرني في مصيبتي واعقبني خيرا منها إلا فعل الله به ذلك}.

ومن الدعاء المأثور عن النبي قوله: {اللهم إني أسألك من اليقين ما تهوّن علي به مصائب الدني}. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

 

 


faheemfb@gmail.com   فهيم أبوخـطـوة،، البريد الإلكتروني