خطب الجمـعة |
![]() |
|
144 |
بسم الله الرحمن الرحيم
مر عليفضل الجمعة، وبعضاً من أحكامه
كتبها : الشيخ ع
ترجمها إلى الإنجليزية : د . فهيم بوخطوة
14 ذو القعدة 1431
22 أكتوبر 2010
أما بعد عباد الله: يقول الله تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ( يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِى ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الجمعة 9ـ10 فقد عُني الإسلام عناية بالغة بيوم الجمعة فأنزل في شأنها قرآنا يُتلى يُخاطب الله في هذه الآيات عباده الذين ءامنوا وخصهم بهذه الآية دون الكافرين تشريفا لهم بالجمعة، وتخصيصا دون غيرهم، وذلك لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الصحيح: " نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم (أي أهل الكتاب) أوُتوا الكتاب من قبلنا، وأوُتيناه من بعدهم، فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه، فهدانا الله له، فغدا لليهود وللنصارى بعد غد". وروى مسلم كذلك في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: ((أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا، فهدانا ليوم الجمعة)). فاتقوا الله عباد الله: وتذكروا أن الله عز وجل قد فضل بعض مخلوقاته على بعض، اصطفاءً منه واختيارًا، وتشريفًا وتكريمًا وإن مما فضل الحق عز وجل من مخلوقاته، تفضيله بعض الأيام على بعض، وجعلها موسمًا لإفضاله وإنعامه، ألا وإن يوم الجمعة أعظم الأيام عند الله قدرًا، وأجلها شرفًا، وأكثرها فضلاً، فقد اصطفاه الله تعالى على غيره من الأيام، وفضله على ما سواه من الأزمان. روي في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم وفيه أهبط من الجنة، وفيه تِيب عليه، وفيه تقوم الساعة، و فيه ساعة لا يُوافقها عبد مسلم و هو قائم يُصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه" مسلم. فيوم الجمعة سيد الأيام كلها، خصه الله تعالى بخصائص عظمى، وشرفه بمزايا كبرى، ليست لغيره من الأيام، وندب الله عز وجل العباد إلى اغتنام ما فيه من الفضائل والمسارعة إلى ما خص به من الطاعات. وإن مما أشار إليه رسول الهدى صلى الله عليه و سلم من فضائل هذا اليوم وخصائصه، قوله: " تُحشر الأيام على هيئتها و يُحشر يوم الجمعة زهراء منيرة أهلها يحفون بها كالعروس تُهدى إلى كريمها تضيئ لهم يمشون في ضوئها ألوانهم كالثلج بياضا و ريحهم تسطع كالمسك يخوضون في جبال الكافور ينظر إليهم الثقلان ما يطرقون تعجبا حتى يدخلون الجنة لا يُخالطهم أحد إلا المؤذنون المحتسبون" صحيح الترغيب ورواه الألباني في السلسلة الصحيحة، و من فضائله ما رواه الإمام أحمد وابن ماجه عن أبي لبابة البدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: ((إن يوم الجمعة سيد الأيام، وأعظمها عند الله، وهو أعظم عند الله من يوم الأضحى ويوم الفطر، فيه خمس خلال: خلق الله عز وجل فيه آدم، وأهبط الله فيه آدم إلى الأرض، وفيه توفى الله آدم، وفيه ساعة لا يسأل الله فيها العبد شيئًا إلا أعطاه ما لم يسأل حرامًا، وفيه تقوم الساعة، ما من ملك مقرب، ولا سماء ولا أرض ولا رياح ولا جبال ولا بحر إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة). فقد عدد رسول الله صلى الله عليه و سلم في هذه الأحاديث بعض خصائص هذا اليوم ومزاياه، وإن من أجلها ما أشار إليه صلى الله عليه و سلم من أن فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه، وقد قال الإمام أحمد رحمه الله: (أكثر الأحاديث في الساعة التي ترجى فيها إجابة الدعوة أنها بعد صلاة العصر). وقد روى أبو داود والنسائي والحاكم وصححه عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال: ((التمسوها آخر ساعة بعد العصر)).وقد تكرر ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا اليوم العظيم تنبيها لأمته و تذكيرا لها كي تتمسك و تُحافظ على هذا اليوم وقد سماه في بعض أحاديثه بأنه يوم المزيد فقد جاء عن أنس رضي الله عنه قال: {أتى جبريل بمرآة بيضاء فيها وكتة إلى النبي صلى الله عليه وسلم (الوكـت هو الأثر، كالنكتة انظر الفائق) - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذه؟ قال جبريل: هذه الجمعة فُضِّلْتَ بها أنت وأمتك؟ فالناس لكم فيها تبع: اليهود والنصارى، ولكم فيها خير، وفيها ساعة لا يوافقها مؤمن يدعو الله - تعالى - إلا استجيب له، وهو عندنا يوم مزيد، قال النبي- صلى الله عليه وسلم -: يا جبريل ما يوم المزيد؟ قال: إن ربك اتخذ في الفردوس واديًا أفيح فيه كثب مسك إذا كان يوم الجمعة أنزل الله ما شاء من ملائكته، وحوله منابر من نور عليها مقاعد النبيين، وحف تلك المنابر بمنابر من ذهب مكللة بالياقوت والزبرجد، عليها الشهداء والصديقون، فجلسوا من ورائهم على تلك الكثب، فيقول الله لهم: أنا ربكم قد صدقتكم وعدي، فاسألوني أعطكم فيقولون: ربنا نسألك رضوانك، فيقول: قد رضيت عنكم ولكم عليّ ما تمنيتم، ولديّ مزيد، فهم يحسبون يوم الجمعة لما يعطيهم فيه ربهم من الخير}أخرجه الإمام الشافعي في مسنده ص 70، والطبراني في الأوسط بسند رجاله ثقات. أيها الأخوة المؤمنون: وإن ليوم الجمعة من المزايا و الفضل ما يضيق عن الحصر، و يعجز اللسان عن الوصف، و لكن في هذا المقام نعمل بالمثل القائل ( مالايدرك كله فلا يُترك جله) فأقول مستعينا بالله منبها إلى أهم ما جاء فيها من مزايا و فضائل زيادة على ماتقدم:
* أنه ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلتها و هو مؤمن، إلا ووُقيَ فتنة القبر وعذابه لما رواه أحمد و الترمذي عن عبدالله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر) أحمد و الترمذي. وفي هذا اليوم على كل مسلم أن يحرص على أن يُؤدي ما أمر به فيها على سبيل الوجوب أو الندب ومما أُمر المسلم به فيها:
1ـ الإكثار في يومها من قراءة القرآن وخاصة للإمام قراءة سورة السجدة و سورة الدهر في فجرها فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأهما في فجر الجمعة لأنهما تضمنتا ما كان وما يكون في يومها فإنهما اشتملتا على خلق آدم و على ذكر يوم القيامة. وحشر العباد. و ذلك يكون يوم الجمعة، ففي قراءتهما في هذا اليوم تذكير للأمة بما يحدث فيه من الأحداث العظام حتى يستعدوا لذلك. وكذلك يُستحب في يومها قراءة سورة الكهف، فعن أبي سعيد الخذري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من قرا سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين" رواه الحاكم.
2ـ ومن خصائص هذا اليوم الإكثار من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي كل ذلك قد وردت السنة. في يومها و ليلتها لأن كل خير نالته هذه الأمة في هذا اليوم و في غيره من خيري الدنيا والآخرة فإنما نالته على يد هذا النبي الكريم ـ فينبغي الإكثار من الصلاة و السلام عليه ـ لما رواه البيهقي في سننه من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة و ليلة الجمعة، فمن صلى علي صلاة صلى الله عليه عشرا"
3- كما يطلب من المسلم قبل الخروج لصلاة الجمعة الغسـل وهو أمر مؤكد جدا، حتى رأى بعض الفقهاء وجوبه على المسلم لما روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي سعيد الخذري رضي الله عنه قال أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم، و أن يستن، وأن يمس طيبا ان وجد"
4ـ ويُستحب للمسلم يوم الجمعة أن يمس من الطيب و السواك، ولبس أحسن ما لديه من الثياب وأنظفها. روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي سعيد الخذري و ابي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: " من اغتسل يوم الجمعة و استاك و مس من طيب إن كان عنده، ولبس من أحسن ثيابه ثم خرج حتى يأتي المسجد فلم يتخطى رقاب الناس حتى ركع ما شاء ان يركع، ثم انصت إذا خرج الإمام فلم يتكلم حتى يفرغ من صلاته، كانت كفارة لما بينها و بين الجمعة التي قبلها ".
5- ويندب التبكير بالذهاب إلى الجامع، روى الإمام أحمد في مُسنده من حديث أوس الثقفي عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من غسل واغتسل، وغدا وابتكر، و دنا فاقترب، واستمع وأنصت، كان له بكل خطوة يخطوها أجر صيام سنة و صيامها". وروى البخاري و مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح، فكأنما قرب بدنة، و من راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، و من راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، و من راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر". متفق عليه. فالتبكير لصلاة الجمعة إذا أيها الإخوة من السنن العظيمة، التي يقصر فيها كثير من الناس، جهلا منهم بعظيم الأجر الذي ورد في شأنه. و لعل فيما ذكرنا من الأحاديث الواردة في فضل التبكير لصلاة الجمعة ما يشحذ الهمم و يقوي العزائم للمسارعة لهذا الفضل قال الله تعالى: (سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات و الأرض أُعدت للمتقين) 133 آل عمران.
6- ويستحب المشي إليها، والقرب من الإمـام، والإنصـات التـام للخطبـة وعدم التشاغل بشيء عن ذلك. واستجماع القلب للاستماع للموعظة والذكر فقد روى أبو داود والحاكم وصححه عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه و سلم قال: ((احضروا الجمعة، وادنوا من الإمام، فإن الرجل ما يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها)). وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: ((من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت، غفر له ما بينه وبين الجمعة، وزيادة ثلاثة أيام)) رواه مسلم في صحيحه.
7ـ ولا ينبغي للمصلي أن لا يتخطى الرقاب، فذلك حرام عند بعض العلمـاء مكـروه عنـد البعـض الآخـر لكـثرة الأحـاديث الواردة في النهي عـن ذلـك. فا حذروا ـ عباد الله ـ من كل ما نهى عنه الشرع وحذر، مما يكون سببًا في فوات أجر الجمعة أو نقصان ثوابها، فقد رأى صلى الله عليه و سلم وهو يخطب يوم الجمعة رجلاً يتخطى رقاب الناس فقال له صلى الله عليه و سلم منكرًا عليه: ((اجلس فقد آذيت وآنيت)) وإنه ليخشى على من يفعل ذلك أن يدخل في عمـوم قـول الله عز وجـل: (وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحْتَمَلُواْ بُهْتَـٰناً وَإِثْماً مُّبِيناً) الأحزاب 58.
8ـ هذا وليحذر المسلم من التشويش على عباد الله برفع الصوت أو بترك جهاز النقال مفتوحا فيؤذي برنينه المصلين و يشوش عليهم فإن التشويش على المصلين منهي عنه و لو بقرآة القرآن أو بالذكر، فقد نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذلك بقوله للصحابة حينما علت أصواتهم بالقراءة: ((لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن)) واعلم أخي وفقني الله و إياك أنه من الحرمان وقلة البصيرة أن ينشغل المرء عن الخطبة بحديث أو عبث بحصى أو غيره، فيفوته بذلك ثواب الجمعة وفضلها، فقد قال صلى الله عليه و سلم في التحذير من ذلك: ((من مس الحصى فقد لغا)) رواه مسلم في صحيحه، وروى أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: ((إذا قلت لصاحبك: أنصت، يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت)) وروى الإمام أحمد عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ((من قال لصاحبه والإمام يخطب: صه، فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له)).
النهي عن ترك صلاة الجمعة: عباد الله وإن من كبائر الذنوب، أن يتخلف المسلم عن حضور الجمعة من غير عذر شرعي، فقد شدد رسول الله صلى الله عليه و سلم في التحذير من ذلك مبينًا صلى الله عليه و سلم أن من فعل ذلك فقد عرض نفسه للإصابة بداء الغفلة عن الله والطبع على قلبه، ومن طبع الله على قلبه عميت بصيرته وساء مصيره، روى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: ((لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين))، وروى الإمام أحمد بإسناد حسن، والحاكم وصححه عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: ((من ترك الجمعة ثلاث مرات من غير ضرورة طبع الله على قلبه)). فاتقوا الله عباد الله، ولتغتنموا يوم الجمعة بجلائل الأعمال الصالحة التي تقربكم إلى الله تعالى، وتدنيكم من رحمته ورضوانه، فإن ذلك من أسباب الفلاح والتوفيق في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.