Checkout

خطب الجمـعة

faheemfb@gmail.com

128

      

 

     
 

     


بسم الله الرحمن الرحيم

حسن الخاتمة ـ الموت

  

كتبها : إمام زائر   

ترجمها إلى الإنجليزية : د . فهيم بوخطوة

 

04 ربيع الثاني 1431هـ

19 مــارس 2010م

 

 

 

إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا

واشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد يحي ويميت  وهو على كل شيء قدير.  واشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفوته من خلقه وخليله صلى اللهم وسلم  عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين  وأرضى اللهم عن الصحابة أجمعين  والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين. وبعد إخوة الإيمان فإن اصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، أعاذنا الله وإياكم من النار وما قرب إليها من قول وعمل ونسأله الجنة وما قرب إليها من قول وعمل

 لحظة حاسمة في حياة الإنسان، لحظة يتوقف عليها مستقبله إما سعادة لا يشقى بعدها أبدا، وإما شقاوة لا يسعد بعدها أبدا. لحظة يقول الله سبحانه وتعالى عنها في كتابه العزيز ( فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَٰكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96) [الواقعة: 83-96].

إنها الآيات التي تصف نهاية الإنسان، ثلاثة أصناف ، صنف يبشر بروح وريحان وجنة نعيم ، وصنف يبشر بالأمان وصنف آخروالعياذ بالله نزله الحميم. لحظات  يعاين فيها الإنسان سكرات الموت، تلك الشدة التي تكون كفارة لذنوبه إن كان مؤمنا، أو بداية رحلة الشقاء التي تنتظره جزاء كفره وعناده. ولو كتب لبشر ان ينجو من سكرات الموت لكان ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ورد في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنا أنها قالت كان بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ركوة فجعل يدخل يده في الماء فيمسح بها وجهه ويقول (لا إله إلا الله ، إن للموت سكرات) وهو الذي غفر من ذنبه ما تقدم وما تأخر  وجعل يتغشاه الكرب حتى أشفقت عليه السيدة فاطمة رضي الله تعالى عنها فقالت واكرب أبتاه! فقال لها (ليس على أبيك كرب بعد اليوم). (صحيح البخاري من حديث أنس رضي الله عنه ) لكنه برغم هذه السكرات يوصي  صلى الله عليه وسلم بما حمل في هذه النفس العظيمة من حرص على أمته وبما يفيض قلبه الرحيم من رحمة  بها،  فكانت وصيته الأخيرة وهو في اللحظات الأخيرة (الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم).

 

عند تلك النهاية تختلف مواقف القوم، عند ساعة الاحتضار وغرغرة الروح، فتذكر أن (لا إله إلا الله) التي تنطق بها الآن كأيسر ما يكون النطق، صعبة عسيرة والموفق من وفقه الله تعالى (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ * وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ * وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)ابراهيم) فيوفق الله فيها من رضي عنهم بالقول الثابت ورد في السير أنه لما حضرت أبابكر الصديق الوفاة كانت عنده عائشة رضي الله تعالى عنها فتمثلت ببيت من الشعر

فقال لها ليس كذلك يا بنيتي بل قولي (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحقّ * ذَٰلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) ق -19) ثم  قال لعائشة : انظروا ثوبي هذين ، فإغسلوهما وكفنوني فيهما ، فإن الحي أولى بالجديد من الميت.

موقف تتضاءل فيها الأعمال والأقوال ولا يبقى إلا الرجاء في الله سبحانه وتعالى قال الشعبي رحمه الله: لما طعن عمر جاءه ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين فقال: يا أمير المؤمنين، أسلمت حين كفر الناس، وجاهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خذله الناس، وقُتلت شهيدًا، ولم يختلف عليك اثنان، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنك راضٍ، فقال له: أعد مقالتك. فأعاد عليه. فقال: المغرور من غررتموه، والله لو أن لي ما طلعت عليه الشمس أو غربت، لافتديت به من هول المطلع. و كان رأس عمر في مرضه الذي مات فيه على فخذ عبدالله بن عمر  فقال له : ضع رأسي على الأرض فقال عبدالله: ما عليك كان على الأرض أو كان على فخذي ؟! فقال : لا أم لك ، ضعه على الأرض .فقال عبدالله : فوضعته على الأرض فقال : ويلي وويل أمي إن لم يرحمني ربي عز وجل.

 

لحظة يوفق الله فيها الإنسان لما كان عليه من خير وعدل وصلاح. ورد أن الإمام علي رضي الله عنه أفاق من سكراته بعدما طعنه بن سبأ فقال : ما فٌعِل بضاربي ؟ قالوا : أخذناه. وانظر إلى توفيق الله سبحانه وتعالى  قال : أطعموه من طعامي، واسقوه من شرابي، فإن أنا عشت رأيت فيه رأيي، وإن أنا مت فاضربوه ضربة واحدة لا تزيدوه عليها. ثم أوصى الحسن أن يغسله وقال: لا تغالي في الكفن فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: لاتغالوا في الكفن فإنه يسلب سلبا سريعا. وأوصى: إمشوا بي بين المشيتين لا تسرعوا بي، و لا تبطئوا. فإن كان خيرا عجلتموني إليه، و إن كان شرا ألقيتموني عن أكتافكم .


لحظة لا يملك فيها العبد المؤمن إلا أن يرجو الرحمة والمغفرة من رب رحيم لما حضرت  معاوية رضي الله عنه الوفاة قال: أجلسوني. فأجلسوه، فجلس يذكر ربه جل وعلا ويسبح الله سبحانه وتعالى، ثم بكى وقال لنفسه موبخًا لها: الآن يا معاوية، الآن جئت تذكر ربك بعد الانحطام والانهدام، أما كان هذا وغضُ الشباب نضير ريان. ثم بكى وقال: يا رب ارحم الشيخ العاصي ذا القلب القاسي، اللهم أَقَلَ العثرة، واغفر الزلة، وجُدْ بحلمك على من لم يرجُ غيرك ولا وثق بأحد سواك. ثم فاضت روحه.

 

لحظة صاغ شدتها الصحابي الجليل أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه فقال حين حضرته الوفاة قال : ألا رجل يعمل لمثل مصرعي هذا ؟، ألا رجل يعمل لمثل يومي هذا ؟، ألا رجل يعمل لمثل ساعتي هذه ؟. أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه يا فوز المستغفرين.

هذه اللحظة التي هي المحصلة الأخيرة لمشوار الحياة الطويل، لحظة يتمثل فيها الشيطان حريصًا على الإنسان أشدَّ الحرص، حتى لا يفلت منه، ففي صحيح مسلم عن جابر أن النبي قال: ((إن الشيطان يحضر أحدكم عند كلّ شيء من شأنه))، وقد استدلّ على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية بقول نبينا في الصحيح ((إنما الأعمال بالخواتيم)) ولسائل أن يسأل كيف يكون التوفيق في تلك اللحظة الحاسمة؟

 

ومدار التوفيق إلى حسن الخاتمة بفضل الله تعالى أولا ثم بصلاح الإنسان، و أول الصلاح صلاح القلب ، عن ابي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ، ولا إلى صوركم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم (صحيح ، صحيح الترغيب للألباني ),  وهذا لا يعني أن يتخلى الإنسان عن الأعمال الصالحة ويقول إني مهتم بقلبي فهذا ضلال، لأن صلاح القلب مرتبط به صلاح الجسد، وإنما كان تفاوت الأعمال  يوم القيامة على ما يحمله الإنسان في قلبه من صلاح  والتوجيه النبوي واضح في هذا المسألة، فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال عنها (ألا و إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) البخاري فصلاح الجسد موقوف على صلاح القلوب والقلوب بين يدي الرحمن لا يعلمها إلا هو.

 

وعيب  التدين في أيامنا هذه أنه اقتصر على المظاهر فقد ترى  مهتما بالسنة الظاهرة ويقيم الدنيا ولا يقعدها بسببها ويؤدي صلواته ويحافظ عليها في المسجد لكن لكن إذا رأيته في الحديث عن الناس الآخرين تراه لا يرقب إلا ولا ذمة يقطع لحومهم إربا، إربا،  بل منهم من يقع في رمي المحصنات ولا يرف له جفن والأغرب من ذلك أن البعض يغطي هذه المخالفات بإسم الدين، والبعض إذا عاملته في البيع والشراء  رأيت العجب العجاب في بخس السلعة والغرر والغش وأكل أموال الناس بالباطل ، وإذا كلف بوظيفة رأيته لا يتوانى في أخذ الرشوة  واستقطاع حقوق الناس.

 

 لقد حذر رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم من هذا السلوك فقال عَن ابنِ مَسعودٍ رَضِي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسول الله : (والَّذي نفسي بيدِه، إنَّ أَحدَكم ليعمَل بعملِ أهلِ الجنّة حتى ما يكون بينَه وبينها إلا ذِراع، فيسبِق عليه الكِتاب، فيعمل بعمَل أهل النار فيدخُلها، وإنَّ أحدَكم ليَعمَل بعمل أهلِ النّار حتى ما يكون بينَه وبينها إلا ذِراع، فيسبِق عليه الكِتابُ، فيعمَل بعمل أهلِ الجنّة فيدخلها) رواه البخاريّ ومسلم . و لا يحمل الحديث على أن حسن الخاتمة بالحظ و أن الأعمال الصالحة لا تساوي عند الله شيئا فمعاذ الله أن يأمرنا بالخير ثم لا يثيبنا عليه فإن الله سبحانه وتعالى حرم الظلم على نفسه وحرمه بين العباد (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا* وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) (الكهف)  ، بل أنه سبحانه وتعالى جواد كريم يضاعف الحسنات ولا يجزي عن السيئة إلا بسيئة مثلها (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ۖ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40) النساء)، ولكن الحديث يحمل على الذين يخيل للناس أنهم يعملون الخير ظاهرا ولكنهم لم يهتموا بصلاح قلوبهم لم يراقبوا أنفسهم ولم يحاسبوها  فكان جزاءهم أن حرمهم الله من حسن الخاتمة


 

 


faheemfb@gmail.com   فهيم بوخـطـوة ،، البريد الإلكتروني