خطب الجمـعة |
![]() |
|
125 |
بسم الله الرحمن الرحيم
حقُّ الطريق
كتبها : الشيخ عبد الرزّاق طاهر فارح
ترجمها إلى الإنجليزية : د . فهيم بوخطوة
04 ربيع الأوّل 1436
25 ديسمبر 2015
الحمد لله الذي خلق الإنسان وسخر له ما في الأرض جميعاً ، فله الحمد وله الثناء الحسن .الحمد لله أن قد جعلنا خلفاء في الأرض فناظرٌ مانحن عاملون فسبحانه من إله منعم تفضل بالعطاء{ وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ } [ الزخرف : 12- 14] .
أما بعد:
فاتقوا الله ـ أيها الناس ـ وعظموا أمره، واشكروا نعمه. وأعظم هذه النعم وأجلها.. الهداية لهذا الدين (بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلاْيمَـٰن) [الحجرات:17].
أيها الإخوة في الله: إن شرائع الإسلام استوعبت شتى جوانب الحياة وشؤونها. وانتظمت كل ما يعرض للمرء من مهده إلى لحده. فمن رحمة الله سبحانه و تعالى على هذه الأمة أن جعل دينها دينا شاملا لكل مناحي الحياة فهو دين يبني أمة ذات رسالة لتبقى قائدة رائدة.. صالحة لكل زمان ومكان – إن ديناً هذا شأنه لا يدع مجالاً في السلوك العام، أو السلوك الخاص، إلا وجاء فيه بأمر السداد. وصدقت عائشة رضي الله عنها عندما قالت: "و الله ما ترك رسول الله صلى الله عليه و سلم شيئا يُقربنا إلى الله تعالى إلا وأمرنا به و لا ترك شيئا يبعدنا عن الله تعالى إلا و نهانا عنه" ومن هنا فلا غرو أن تدخل توجيهات الإسلام وأحكام الشريعة في تنظيم المجتمع، في دقيقه وجليله، في أفراده وجموعه، وفي شأنه كله. ولا تزال مدونات وكتب أهل الإسلام في الفقه والأخلاق مشحونة بالحكم والأحكام في فكر أصيل، ونظرٍ عميق، واستبحار في فهم الحياة، وشؤون الإنسان، وسياسة المجتمع، مع نماذج حية وسير فذة، وتطبيقات جليلة طوال تاريخ الأمة المجيد.
وإن مما يظهر فيه شمول هذا الدين، وجلاء حكمه وأحكامه، ما أوضحه الكتاب والسنة وآثار الأئمة.. من آداب الطريق، وحقوق المارة، وأدب الجماعة. فإن الطريق في الإسلام له قدسية خاصة فاطريق وإن كانت ملكية عامة فليس من حق أي إنسان أن يفعل فيها مايحلو له وإنما يجب عليه أن يُراعي شعور وراحة وحق الآخرين و أمنهم لأنها مشتركة المنفعة و ليس لأحد أن يختص بها دون الآخرين فالشوارع للسيارات إنما جُعلت للسير عليها وتلك هي الحاجة التي تُراد الشوارع لأجلها . فالإسلام يُنكر أن يقوم المسلم بإلحاق الأذى بالشوارع والطرقات بمضايقة المارة وإعاقة الطريق أو ركن السيارات في غير الأماكن المخصصة لها فإن في هذا إيذاء للناس كل الناس وليس من صفات عباد الرحمن أذية المسلمين ومن جاورهم . جاء في محكم التنزيل: (وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَـٰهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً ) [الفرقا ن:63]. فمن صفات عباد الرحمن أنهم يمشون على الأرض هونا ، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما. فلا يجهلون على أحد ولا يردون على من جهل عليهم بمثله. فلا يؤذون الناس في طرقاتهم سواء بألسنتهم أو بأفعالهم كإغلاق الطريق على الناس وإلحاق الضرر بها. وفي السنة المطهرة من حديث أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه – عن النبي صل الله علي وسلم قال: ((إياكم والجلوس في الطرقات)) قالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ((فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه)) قالوا: وما حقه؟ قال: ((غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر . متفق عليه واللفظ لمسلم. وفي حديث أخرجه الترمذي والبخاري في الأدب المفرد وابن حبان عدَّ النبي ص من أبواب الخير: ((تبسمك في وجه أخيك لك صدقة وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وبصرك الرجل الرديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة)). أنظروا إلى هذه الآداب وهذه الأخلاق و الحكم التي يعلمنا أياها ديننا الحنيف ، إماطتك الحجر والشوكة و العظم عن الطريق لك صدقة ، فأين نحن ممن يتعمد إغلاق الطريق على المارة و كأنه إمتلك هذه الطريق وصارت حكرا عليه من دون الناس هل هذا هو الوجه الحضاري للإسلام الذي ندعو إليه ؟ كلا والله فإن ديننا أعظم وأجل وهو دين حضارة ومدنية ورقي جاء لإسعاد الخلق كل الخلق عربهم وعجمهم ، أحمرهم و أسودهم ، أصفرهم و أبيضهم ، فعلينا نحن المسلمين أن نرتقي بأنفسنا إلى مستوى هذا الدين ولا نسيئ إلى ديننا بأذية الناس وإغلاق الطرقات عليهم. أيها الأخوة الأحباب إن كف الأذى عن الطريق من أبرز الحقوق. والأذى كلمة جامعة لكل ما يؤذي الناس ( كل الناس لا فرق في ذلك بين أذية المسلم أو غير المسلم) من قول وعمل يقول عليه الصلاة والسلام : "لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس) . وحينما طلب أبو برزة رضي الله عنه من رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يعلمه شيئاً ينتفع به قال: ((اعزل الأذى عن طريق المسلمين)). وفي خبر آخر: ((بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق، فأخَّره، فشكر الله له؛ فغفر له))أخرج ذلك كله مسلم في صحيحه رحمه .وإذا كان هذا الثواب العظيم لمن يكف الأذى، فكيف تكون العقوبة لمن يتعمد إيذاء الناس في طرقاتهم بكل أنواع الإيذاء كإيقاع الضرر بالطريق أو إغلاقها بأن يركن سيارته في غير المكان المخصص لذلك إن هذا السلوك أيها الأخوة و الأخوات فيه من الأنانية و سوء الأدب مع الناسالذي نهانا الإسلام عنه. يقول الله تعالى: ( وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ) أي ليس فقط عليهم قول الكلام الحسن بل الأحسن فإذا كان هذا في القول و الكلام فكذلك عليهم القيام بالآعمال والأفعال بما هو أحسن و ألأحسن في الأدب مع الطريق هو إمتثال الأمر النبوي بإعطاء الطريق حقه ومن حقه عدم إيقاع الأذى بالناس وإن في إيقاف سياراتنا في أماكن تعرقل حركة الناس و تعيق تنقلهم هو قمة الإيذاء والإعتداء على حقوق الناس فالطريق حق لكل الناس وليس حقا لك وحدك وحقك فيه أن تمر من هذا الطريق لا أن تمتلك هذا الطريق لنفسك دون الاخرين. إن الطرقات حق للمارة ينبغي إفساحها و إزالة الأذى و العراقيل عنها فإن في ذلك ظلم و إيذاء للمسلمين ومن دخل في حكمهم في المجتمع الواحد الذي يعيشون فيه و قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( المسلم أخو المسلم . كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) هكذا حرم الله أذية الناس و مضايقتهم في طرقاتهم و في بيوتهم و في معاملاتهم و في أماكن و مصادر رزقهم. فقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في إماطة الأذى عن الطريق ـ قال صلى الله عليه و سلم: ( الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله و ادناها إماطة الأذى عن الطريق ، و الحياء شعبة من الإيمان).
أيها الأخوة المسلمون : إن هذا المسجد مقام في مجمع تجاري و مخصص له مواقف محدودة للسيارات و هناك مواقف أخرى خارج المجمع على جانبي الطريق بلا مقابل فعلى كل واحد منا رجلا كان أو امرأة أن يركن سيارته في المكان الصحيح خارج أو داخل المجمع التجاري بحيث لا يؤذي أحد أو يقف في أماكن مخصصة لغيرنا من الجيران الذين لهم محلات تجارية داخل المجمع. فإن الإسلام كذلك نهى عن أذية الجار و أمر بالإحسان إليه و إكرامه، ولقد جاءت أحاديث نبوية كثيرة موصية بالجار غير ناظرة إلى قرابته أو دينه ، مؤكدة أهمية علاقة الجوار و منها قوله صلى الله عليه وسلم :" ومازال جبريل يوصيني بالجار ، حتى ظننت أنه سيورثه" متفق عليه. وكان الصحابة الكرام يسمعون هذا الهدي النبوي العالي ، فيسارعون إلى تطبيقه في واقع الحياة على جيرانهم من المسلمين وغير المسلمين فهذا عبدالله بن عمرو الصحابي الجليل يتذكر هذا الحديث الشريف حين ذبح شاة له، فسأل غلامه " أهديت لجارنا اليهودي؟ أهديت لجارنا اليهودي؟ أهديت لجارنا اليهودي؟ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وسرد نص الحديث. فالجار ايها الأخوة يُكرم لا أن يُضايق أو يُهان أو يؤخر عن عمله أو أن يُتعدى على حقوقه و خصوصياته.
أيها الأخوة المسلمون: وأكثر من ذلك أن لا يقف تحت أي ظرف من الظروف في الباب الرئيسي مغلقا بذلك المنفذ الرئيسي على من يريد الدخول أو الخروج كما حدث في الجمعة الماضية مما تسبب في إيذاء الناس و تسبب لنا في الإحراج و التعرض للشكوى من قبل الجيران لدى مالك المكان.أخوة الإسلام إتقوا الله و لا تكونوا سببا لإغلاق هذا المسجد و منع الخير عنه بقصد أو بغير قصد فإن هذا السلوك السيئ تسبب في إغلاق الكثير من المصليات في بعض المناطق في مدينة دبلن و كورك و غيرهما بسبب شكوى الناس و خاصة الجيران من إغلاق الطرقات العامة بسيارات المصلين يوم الجمعة و بقية الأوقات و إيقاف سياراتهم أمام بوابات بيوت الجيران. و اعلم أخي المسلم و أختي المسلمة أنه من يتسبب في إغلاق بيت من بيوت الله عليه أن يكون على حذر من أن يدخل في صنف أولئك الظالمين الذين قال الله تعالى فيهم : ( ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه و سعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي و لهم في الآخرة عذاب عظيم) . وإنه لو سمع هذا الذي يغلق الطريق على الناس دعاء الناس و تسخطهم على من سد عليهم طريقهم لأفزعه ما يسمع ، و هذه الدعوات لا تذهب سدى لأنها دعوات المظلومين . و دعوة المظلوم مستجابة. أخوة الإسلام والعقيدة ما هكذا تكون معاملة المسلم لأخيه المسلم و لغيره من غير المسلمين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دفع من عرفة إلى مُزدلفة ومعه الجمع العظيم من المسلمين جعل يقول السكينة السكينة و شنق الزمام لراحلته حت كاد رأسها يلامس رحله خشية ان يشق على المسلمين في سيرهم و يضايقهم في طريقهم و هو أفضل الخلق على الإطلاق و لو شاء ان يُفسح له الطريق حتى يمر وحده لفعل و لكنه كما و صفه الله سبحانه و تعالى: ( عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) التوبة 128 . و قد امره الله أن يخفض جناحه للمؤمنين فاقتدوا به أيها المسلمون. (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) الأحزاب 21 . فلنقتدي به فيما أمر به من إعطاء الطريق حقها و الإبتعاد عن أذية المسلمين في طرقاتهم و التعدي على حرماتهم و مضايقة الناس في أعمالهم و أرزاقهم فإن كل ذلك يدخل تحت قوله تعالى: ( والذين يؤذون المؤمنين و المؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا و إثما مبينا) الأحزاب 58. أخرج الطبراني من حديث حذيفة بن أسيد – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من آذى المسلمين في طرقهم؛ وجبت عليه لعنتهم))[1][6] وقال: حديث حسن صحيح. وفي حديث أبي هريرة عند مسلم: ((اتقوا اللعَّانين)) قالوا: وما اللعانان يا رسول الله؟ قال: ((الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلِّهم)) وهذا كناية عن كل أذى يلحق بالطريق.
أقول ما تسمعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.