Checkout

خطب الجمـعة

faheemfb@gmail.com

119


      

 

     

 

     


بسم الله الرحمن الرحيم

تربية الأبناء 2

 

إعداد: ش . عمر الخدراوي

الترجمة: د . فهيم بوخطوة

 

13 نوفمبر 2009

25 ذو القعدة 1430

أما بعد أيها الأخوة المسلمون

يستمر بنا الحديث كما وعدنا عن تربية الأبناء و ما جعلنا نركز الحديث عن أهمية الأسرة و الإهتمام بتربية الأبناء هو ما نراه من مخاطر كثيرة تتعرض لها تربية الأبناء ولعل من أهمها تقصير الأبوين المكلفين قبل غيرهما في تربية أبنائهما.

ومنها أيضا قصور وعجز المؤسّسات التربوية الإسلامية في آيرلندا تحديدا عن وضع مناهج وبرامج تربوية يمكنها أن تحتوي الشباب إحتواء و إحاطة شاملة تلبي حاجات الشباب الروحية و الفكرية و الخلقية و الجسدية.

 

لذلك إن الحديث منصب على واجب الوالدين في تربية أبنائهما التربية الإسلامية الصحيحة القائمة على التوازن و الواقعية ووحدة التلقي من المنهج الإسلامي  الكتاب و السنة.

 

فعودة الأسرة وعودة الأبوين لتولي مسؤليتهما تجاه أبنائهما في التربية هو الطريق الصحيح الذي يصنع الجيل الصاعد و المجتمع الفاضل و الأمة الخيرة.

إذن أيها الأخوة الأحبة سؤال يطرح نفسه و يهم كل واحد منا نحن الآباء و المربين كيف نربي أبنائنا تربية صالحة ؟ ز هذا السؤال يضع الآباء و المربين عند مسؤليتهم الكبرى التي ألزمهم الإسلام بها في قوله تعالى ( ياأيها الذين ءامنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس و الحجارة) .

 

فالتربية أيها الأخوة هي:  " تنمية قوى الإنسان الدينية و الفكرية و الخلقية تنمية منسقة متوازنة"، و على هذا الأساس تكون التبية في مجال تنشئة الأولاد عملية بناء و رعاية وإصلاح شيئا فشيئا حتى التمام، أي المضي مع النشء بالتدرج من الولادة و حتى سن البلوغ. و بهذا المعنى تكون التربية فريضة إسلامية في أعناق جميع الآباء و الأمهات لغرس الإيمان و تحقيق شريعة الله ، وهي مسؤلية ز أمانة لا يجوز التخلي عنها قال الله تعالى : ( إنا عرضنا الأمانة على السموات و الأرض و الجبال فأبين أن يحملنها و أشفقن منها و حملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا).

كيف نربي أبنائنا ؟

 

و قبل أن أجيب على هذا السؤال و أبدأ بتقديم بعض الوسائل المفيدة في التربية للأبناء لابد أن أشير إشارة هامة إلى قضية في غاية الخطورة في مسألة التربية و الإرشاد وهي أنه حتى ننجح في عملنا التربوي يجب أن يكون هناك توافق تام بين سلوكنا وما نطالب به أبنائنا . بمعنى أنه لا يجوز أن نأمر أبنائنا بأمر أو ننهاهم عن أمر و نحن متلبسون بغيره أو بما يخالفه، لأن مثل هذه الحالة ستجعل الجهد ضائعا و لن يستفيد الآباء شيئا مما يصنعون ، و لقد نبه الله تعالى إلى هذه الحالة و نعى على المسلمين أن تخالف أقوالهم أفعالهم فقال الله تعالى ( ياأيها الذين ءامنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون).

و لقد أحسن الشاعر إذ قال:

 

يا أيها الرجل المعلم غيره     *** هلا لنفسك كان ذا التعليم

إبدأ بنفسك فانهها عن غيها    *** فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

فهناك يُسمع ما تقول و يُشتفى*** بالقول منك و ينفع التعليم

لا تنه عن خلق و تأتي مثله   *** عار عليك إذا فعلت عظيم

 

فمما لا يحتاج إلى كبير توضيح أو عظيم شرح أن ابنك حين تطلب منه ألا يدخن و هو يراك و أنت تدخن لن يسمع لقولك و سيقول في نفسه : لو كان أبي صادقا لامتنع عن التدخين و هجره، و إذا رآك تدعوه إلى الصلاة في المسجد في الجماعة، لا يراك تصلي إلا وحدك في البيت فعند ذلك سيقول لك : أنا ذاهب إلى المسجد و لكنه سيمضي إلى مكان ثان مع أصحابه و خلانه

 

أيها الأخوة المؤمنون

 

إن أول وسيلة لتربية الأبناء إن أردناهم أبناء صالحين بآبائهم بارين هي : أن نزرع في نفوس أبنائنا منذ الصغر حب الله تعالى و الخوف منه ، وحب طاعته و السير على نهجه المستقيم، و هذه ليست مهمة سهلة و طريقها ليس معبدا بالورود و إنما طريق و عرة محفوفة بالأشواك، و لكن مما يشد العزم و يقوي الهمة في ولوج هذا الطريق و مباشرة العملية التربوية  هي اعتقادنا أن الله معنا. ( و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) و أن الثواب على قدر المشقة . و لا يتعذر أحد من الآباء أو الأمهات بقلة العلم و ضعف الثقافة المناسبة و التعليم الملائم،  أو يتحجج بقلة الوقت للجلوس مع الأبناء لتعليمهم و تربيتهم فإن كل ذلك مقدور عليه إذا توفرة الإرادة و صدق النية .  

 

تربية الأبناء أيها الأخوة تبدأ أولا منذ التفكير بالزواج بحسن إختيار الأم و كذا حسن اختيار الأب فالنبي صلى الله عليه وسلم حث كل مقبل على الزواج أن يطفر بذات الدين، مهما استطاع إلى ذلك سبيلا ، لأن ذات الدين هي نعم العون للزوج على طاعة ربه ونعم العون على تلربية أبنائه،قال صلى الله عليه وسلم ( تنكح المرأة لأربع : لمالها ، ولحسبها ، و لجمالها ، ولدينها ، فاطفر بذات الدين تربت يداك) متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم ( الدنيا متاع و خير متاعها المرأة الصالحة) رواه مسلم. من حديث إبن عمر.

 

وحث ولي المرأة على حسن اختيار الزوج لموليته ففي الحديث (إذا خطب إليكم من ترضون دينه و خلقه فزوجوه ، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض و فساد عريض ) أخرجه الترمذي.

 

 ثانيا : حث النبي صلى الله عليه وسلم الرجل إذا أراد أن يأتي أهله أن يقول : بسم الله اللهم جنبنا الشيطان و جنب الشيطان مارزقتنا. فعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أما لو أن أحدكم قال : إذا أراد أن يأتي أهله . أو قال حين يأتي أهله ـ بسم الله اللهم جنبنا الشيطان و جنب الشيطان مارقتنا، ثم قدر بينهما في ذلك و لد لم يضره شيطان أبدا) متفق عليه.

 

 ثالثا : حسن إختيار الإسم فالإسم الحسن له تأثير حسن على صاحبه ، و الإسم السيئ له تأثير سيئ على صاحبه قال صلى الله عليه وسلم : " أحب الأسماء عند الله تعالى عبدالله و عبدالرحمن" أخرجه مسلم .

 

و جاءت السنة القولية و العملية  عن النبي صلى الله عليه وسلم بكراهة الإسم الذي يحمل معنى بغيضا ، أو يحمل معنى يدل على تزكية صاحبه ونحوه. كما داءت السنة بتحريم الأسماء المُعبدة لغير الله ووجوب تغييرها.

 

رابعا التأذين في أذن المولود حين ولادته لحديث أبي رافع أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسين حين ولدته فاطمة" هذه بعض الوسائل التربوية و هي كذلك عبارة عن حقوق للولد على أبيه في المراحل الأولى من حياة الولد .

 

خامسا: تأديب الأبناء وتعليمهم وتربيتهم على مكارم الأخلاق ومحاسنها بأن تبدأ بتعليم الولد و ربطه بأصول الإيمان، و تعويده منذ تفهمه اركان الإسلام ، و نعني بأصول الإيمان تعليمه الأيمان بالله والإيمان بالملائكة ، والإيمان بالكتب السماوية ، و الإيمان بالرسل جميعا ، و الإيمان بالجنة و النار و الحساب و غيرها من أمور الغيبيات. و نعني باركان الإسلام : كل العبادات البدنية و المالية ، و هي : الصلاة ، و الصوم ، و الزكاة، و الحج من استطاع إليه سبيلا. فعلى الأباء و الأمهات أن يعملوا على تنشئة الولد منذ نشأته على هذه المفاهيم من التربية الإيمانية حتى يرتبط بالإسلام عقيدة و شريعة و سلوك. و هذا كله مستمد من و صايا الرسول صلى الله عليه و سلم و إرشاداته في تلقين الولد أصول الإيمان ز أركان الإيمان و أحكام الشريعة.

 

فقد روى الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: (افتحوا على صبيانكم أول كلمة بلا إله إلا الله) . و السر في ذلك لتكون كلمة التوحيد و شعار الدخول في الإسلام أول ما يقرع سمع الطفل، و أول ما يُفصح به لسانه، و لقد ذكرنا آنفا استحباب التأذين في أذن المولود لما لذلك من الأثر في تلقين

العقيدة للولد منذ الصغر.

 

و في تعريف الولد ما يعقل من أحكام الحلال و الحرام روى إبن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " اعملوا بطاعة الله و اتقوا معاصي الله ، و مروا أولادكم بامتثال الآوامر، و اجتناب النواهي ، فذلك و قاية لهم و لكم من النار" . و في هذا  حتى يفتح الولد عينيه على آوامر الله فيدرب على امتثالها و اجتناب نواهيه فيدرب على الإبتعاد عنها.

 

و كذلك من الوصايا النبوية في التربية أمرالأبناء بالعبادات و هم في سن السابعة، فقد روى أبو داوود عن ابن عمر ابن العاص رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " مروا أولادكم بالصلاة و هم أبناء سبع سنين، واصربوهم عليها و هم أبناء عشر، و فرقوا بينهم في المضاجع" و يقاس على الصلاة  الترويض على الصيام و الحج بحسب الإستطاعة. و في تعلم الولد هذه العبادات تربيته على طاعة الله والقيام بحقه، و الشكر له، و الإلتجاء إليه و حتى يجد في هذه العبادات الطهر لروحه و التهذيب لخلقه.

 

ومن هديه صلى الله عليه وسلم في التربية تعليم الأبناء على حب رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وحب آل بيته ، و تلاوة القرآن الكريم: فقد روى الطبراني عن علي كرم الله و جهه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: " أدبوا أولادكم على ثلاث خصال : حب نبيكم، و حب آل بيته، و تلاوة القرآن ، فإن حملة القرآن في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله مع أنبيائه و أصفيائه". و يتفرع من تطبيق هذه الوصية النبوية تعليمهم مغازي رسول الله صلى الله عليه و سلم، و سير الصحابة الكرام و غير ذلك حتى يتأسى الأولاد بسيرة الرسول الكريم و سير الأولين حركة و بطولة و جهادا و عزة و فخارا. .. و حتى يرتبطوا بالقرآن الكريم روحا و منهاجا و تلاوة. يقول سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه : " كنا نعلم أولادنا مغازي رسول الله صلى الله عليه و سلم كما نعلمهم السورة من القرآن الكريم" .

و أوصى الإمام الغزالي في إحيائه : " بتعليم الطفل القرآن الكريم ، و أحاديث الأخبار ، و حكايات الأبرار، ثم بعض الأحكام الدينية" ، وأشار ابن خلدون في مقدمته إلى أهمية تعليم القرآن الكريم للأطفال و تحفيظه ، ز أوضح أن تعليم القرآن هو أساس التعليم في جميع المناهج الدراسية في مختلف البلاد الإسلامية ، لأنه شعار من شعائر الدين يؤدي إلى تثبيث العقيدة، ورسوخ الإيمان" .

 

و قد كان السلف الصالح من الأولين يهتمون بتربية أبنائهم حين كانوا يدفعون أولادهم إلى المؤدب وكانوا أول شيئ يشيرون إليه و يتصحون به ، تعليم أولادهم القرآن الكريم ، و تلاوتهم له ، و تحفيظهم إياه .. حتى تتقوم ألسنتهم ، و تسمو أروحهم ، و تخشع قلوبهم ، و تدمع عيونهم و يترسخ في نفوسهم اإيمان و اليقين.

و أخيرا لا ننسى فضل و أهمية الدعاء في تربية الولد، فالدعاء بالخير للولد من أهم الأسباب في تحقيق المطالب و نيل المآرب قال الله تعالى عن زكريا : (قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة)

 

فلم يطلب الذرية فقط و إنما طلب الذرية الطيبة الصالحة التي تخاف الله و ترجوا ثوابه.  و قال تعالى عن عباد الرحمن الموعودين بالغرف و الجنان أن من هديهم و آدابهم دعائهم ربهم قائلين: " ربنا هب لنا من أزواجنا و ذرياتنا قرة أعين " . كما أخبرنا عن عباده الصالحين الموعودين بقبول حسناتهم و غفران سيئاتهم أن من دعائهم طلب صلاح الذرية فقال تعالى : " حتى إذا بلغ أشده و بلغ أربعين سنة قال رب أوزعني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي و على و الدي و أن أعمل صالحا ترضاه و أصلح لي في ذريتي إني تبت إليك و إني من المسلمين. أولئك الذين يُتقبل عنهم أحسن ما عملوا و يثتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة و عد الصدق الذي كانوا يوعدون" . ففي هذه الآيات تعليم و إرشاد لنا ان ندعو لأبنائنا بالصلاح و الهداية و الإستقامة. كما جاءت السنة بالنهي عن الدعاء على الأولاد قال صلى الله عليه و سلم " لا تدعوا على انفسكم ، و لا تدعوا على أولادكم ، و لا تدعوا على خدمكم ، و لا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من الله عز وجل ساعة نيل ، فيها عطاء فيستجيب لكم" . أخرجه أبو داوود من حديث جابر.

 

ربما بعض الآباء و الأمهات ولا سيما في ساعات الغضب يعكس القضية فتراه كثير الدعاء على أولاده بالهلاك و بالمصائب و بالموت أحيانا و نحو ذلك مع أنه لو حصل شيئ من ذلك لتألم غاية الألم و لتنغصت عليه حياته إلى الأبد.

 

وأختم بتقرير هذه الحقيقة في نجاح أو فشل العملية التربوية و هي : أنه من المسلم به كما ذكرنا في الجمعة الماضية أن المولود يولد على فطلرت التوحيد و أبواه يهودانه أو ينصرانه  أو يمجسانه . فالمولود إذا تهيأت له التربية المنزلية الواعية و الابيئة القائمة على الإيمان الراسخ نشا الولد و لا شك على الإيمان و الخلاق الفاضلة و التربية الصالحة. و كما قال الغزالي رحمه الله في تقرير هذه الحقيقة في تعويد الولد خصال الخير أو مبادئ الشر : " و الصبي أمانة عند والديه ، و قلبه الطاهر جوهرة نفيسة ، فإن عود الخير وعُلمه نشأعليه و سعد في الدنيا و الآخرة ، و إن عُود الشر و أهمل إهمال البهائم شقي و هلك ... و صيانته بأن يُؤدبه و يُهدبه و يُعلمه محاسن الأخلاق" .

وما أحسن ما قال بعضهم :

وينشأ ناشئ الفتيان منا ****على ماكان عوده أبوه

ومادان الفتى بحجى و لكن*** يعوده التدين أقربوه

نسال الله العلي القدير أن يعيننا على تربية أبنائنا التربية الصحيحة السليمة، و ان يجعلهم قرة عين لنا في الدنيا و الآخرة إنه و لي ذلك و القادر عليه ز صلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم ؟

 


faheemfb@gmail.com   فهيم أبوخـطـوة ،، البريد الإلكتروني