Checkout

خطب الجمـعة

faheemfb@gmail.com

57

      

 

     

 

     


بسم الله الرحمن الرحيم

فضل الأيام العشرة الأولى من ذي الحجّة ـ 2

 

كتبها : يونس صالح

ترجمها إلى الإنجليزية : د . فهيم بوخطوة

 

 

 

 

الحمد لله رب العالمين وبعد

حين يطغى الإنشغال.. وتسيطر المادة.. وتضعف الهمم.. وتُسقى بكأس الكسل والعجز.. حينًا بعد حين.. ويقل الصاحب المعين.. وتشغل النفس بمشاغل شتى.. متفرقة تفرق أودية الحياة الدنيا..
ساعتئذ..

الأولى بالمسلم أن يتفحص كوامن نفسه.. يفتش فيها.. يلمس حواشيها.. يحيي فيها معاني اندرست.. وأحوالاً أدبرت.. يتربص بكل حادث يربطه.. وُيوصله بربه.. فيفرّ منه إليه.. مُلتمسًا القرب والقبول.. رافعًا من ثَم لواء التوفيق والسداد.
فالمسلم الصادق الحريص على أمر نفسه.. الطالب لنجاتها.. المجاهد لها.. لحريٌّ به أن يلتمس مواسم الطاعات ليعمل فيها.. ولا يترك للأيام أن تعمل فيه.. فيرتقي بنفسه؛ ينميها.. يزكيها… يُعدّها ليوم تشخص فيه القلوب والأبصار.. وما ثمَّة غير أصحاب البصيرة ينعمون برحمة الله.. وهم فيها خالدون.

فضائل العشر من ذي الحجة
أ- أنها الأيام العشر التي أتمها الله تعالى لموسى عليه الصلاة والسلام، والتي كلّم الله تعالى موسى في تمامها، والتي كانت مرحلة إعداد وتهيئة لمرحلة جديدة في تبليغ رسالة الله ودعوته، وذلك في قول الله تعالى{ووَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً }.
قال ابن كثير: "فالأكثرون على أن الثلاثين هي ذو القعدة، والعشر هي ذي الحجة، قاله مجاهد ومسروق وابن جريج وروي عن ابن عباس وغيره".

لقد انتهت المرحلة الأولى من مهمة موسى التي أرسل لها. انتهت مرحلة تخليص بني إسرائيل من حياة الذل والهوان والنكال والتعذيب بين فرعون وملأه، وإنقاذهم من أرض الذل والقهر إلى الصحراء الطليقة؟، ولكن القوم لم يكونوا بعد على استعداد لهذه المهمة الكبيرة!. مهمة الخلافة في الأرض بدين الله.. وكانت هذه المواعدة إعدادًا لموسى نفسه، كي يتهيأ في هذه الليالي للموقف الهائل العظيم، ويستعد لتلقيه، وكانت فترة الإعداد ثلاثين ليلة، أضيفت إليها عشرًا، فبلغت أربعين ليلة، يُعِدّ موسى فيها نفسه إلى اللقاء الموعود، وينعزل فيها عن شواغل الأرض ليغرق في هواتف السماء، ويعتكف فيها عن الخلق ليستغرق فيها في الخالق الجليل، وتصفو روحه وتشف وتستضيء، وتتقوى عزيمته على مواجهة الموقف المرتقب وحمل الرسالة الموعودة..
وكأن المعني بهذا الكلام كل مسلم يبتغي إعادة الرسالة إلى الأرض، كل مسلم ينشد تهيئة روحه لما هو آتٍ، والله أعلم بما هو آت!!. وكأن الخوف من تقلبات النفس التي تمثلت في بني إسرائيل، كأنها خطر داهم يحرص على تفاديه كل من أراد النجاة من عقبات اليوم الآخر وعقوباته.

ب - وأنها الأيام التي أكمل الله الدين لمحمد عليه الصلاة والسلام، وذلك في قوله تعالى :{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً..} وهي أكبر النعم، وقعت يوم عرفة من هذه الأيام المباركة، نعمة إكمال الدين، فلا يحتاج زيادة أبدًا، وقد أتمه الله فلا ينقصه أبدًا، وقد رضيه الله فلا يسخطه أبدًا، وإنما مدار الأمر على مدى تمسك المسلم بهذا الدين، وإن تبدلت به الأحوال وتغيرت عليه الأوطان.

ذكر ابن كثير في تفسيره: لَمَّا نَزَلَتْ { الْيَوْم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينكُمْ } ، وَذَلِكَ يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر بَكَى عُمَر فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا يُبْكِيك؟ قَالَ: أَبْكَانِي أَنَّا كُنَّا فِي زِيَادَة مِنْ دِيننَا فَأَمَّا إِذَا أُكْمِلَ فَإِنَّهُ لَمْ يُكْمَل شَيْء إِلَّا نَقَصَ فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقْت.

ج - وأنها الأيام الخاتمة لأشهر الحج، وفيها تقع مناسك الحج، الحج الذي يغفر الذنوب، ويجرد المرء من خطاياه كيوم ولدته أمه، قال ابن رجب: "لما كان الله تعالى قد وضع في نفوس المؤمنين حنينًا إلى مشاهدة بيته الحرام، وليس كل أحد قادرًا على مشاهدته في كل عام، فرض الله تعالى على المستطيع الحج مرة واحدة في عمره، وجعل موسم العشر مشتركًا بين السائرين والقاعدين، فمن عجز عن الحج في عام قَدَرَ على عملٍ يعمله في بيته، فيكون أفضل من الجهاد الذي هو أفضل من الحج".

د- وأنها الأيام التي أقسم الله بها جملة، وببعضها خصوصًا. قال الله تعالى: { وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ } . وإنما أقسم الله تعالى بمخلوقاته؛ لأنها تدل على بارئها، وللإشارة إلى فضيلتها ومنفعتها؛ ليعتبر الناس بها.. قال الحافظ ابن حجر في الفتح : وأخرج النسائي من حديث جابر رفعه قال : " العشر عشر الأضحى، والشفع يوم الأضحى، والوتر يوم عرفة".

‏هـ. وأنها الأيام التي قال عنها النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏أَنَّهُ قَالَ: ( ‏مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ قَالُوا وَلَا الْجِهَادُ قَالَ وَلَا الْجِهَادُ ‏‏ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ ‏ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ (. البخاري .

وقد دل هذا الحديث على مضاعفة الأعمال الصالحة في عشر ذي الحجة من غير استثناء شيء منها، وأن أجر هذه الأعمال في أيام عشر ذي الحجة، لا يساويه شيء من الأجر فيما سواها من الأيام مطلقا، إلا من عُفر وجهه في التراب وأريق دمه وقتل جواده في الجهاد.

فالعمل الصالح في عشر ذي الحجة يعدل الجهاد في غيرها، ولهذا قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله، قال ولا الجهاد في سبيل الله، ثم استثنى صورة واحدة من صور الجهاد، صورة هي أفضل الجهاد ؛ فقد سئل عليه الصلاة والسلام أي الجهاد أفضل ؟ قال من عُقر جواده وأهريق دمه. أخرجه أبو داود بسند حسن.

ما يستحب فعله في هذه الأيام
1) إرفع نفسك : الصلاة
يستحب التبكير إلى الفرائض، والإكثار من النوافل، فإنها من أفضل القربات. روى ثوبان قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (عليك بكثرة السجود لله فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك إليه بها درجة وحط عنك بها خطيئة ( وهذا عام في كل وقت. بجانب المحافظة والمواظبة على الصلوات المفروضة، على المرء أن يجتهد ويُكثر من التقرُّب إلى الله.

2)  وابتعد عن النار : الصيام :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد يصوم في سبيل الله إلا باعد الله بذلك وجهه عن النار سبعين خريفاً) البخاري. و لدخوله في الأعمال الصالحة، فعن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: "كان رسول الله يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر". وكان أكثر السلف يصومون العشر، منهم : عبد الله بن عمر، والحسن البصري، وابن سيرين، وقتادة، ولهذا استحب صومها كثير من العلماء قال الإمام النووي عن صوم أيام العشر أنه مستحب استحباب شديدا.

3) وامسح عنك سنتين :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صوم يوم عرفة يكفر سنتين ؛ ماضية ومستقبلة، وصوم عاشوراء يكفر سنة ماضية " رواه مسلم.

4) وأجعل لسانا رطبا : ففي الترمذي أن رجلاً قال يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علي وأنا قد كبرت فأخبرني بشيء أتشبث به قال" لا يزال لسانك رطبا بذكر الله تعالى". قال الإمام البخاري رحمه الله ( كان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشرة يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما ).

5) وأجمع قلبك وما حولك : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا ومن كل هم فرجا ورزقه من حيث لا يحتسب ). رواه أبو داود
دع هذه الأيام فجرا جديدا في حياتك، وسيرك إلى الله تعالى في هذه الدنيا، وليكون مع بزوغ هذا الفجر في قلبك سير قلبي نحو إعداد نفسك وروحك كما فعل موسى عليه السلام، وفتش في حنايا روحك عن النقص فيها، واتمم كما أتم الله لك هذا الدين، فإن أشرق القلب، وأعدت النفس، وتم للروح بعض التمام، فجاهدها، وحدثها بالجهاد المبارك، تفر من النفاق، وتسلم من مظاهره وصوره، التي من بينها، العجز والكسل في الطاعات { وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى } .

وحدّث نفسك أيها المؤمن، وحرّك معاني الشوق في مكامن روحك، فالحياة تأكل منا ما نزرعه في أيامنا، ما لم نتدارك، ببذر، وغرس، وسقاء، وشجرة شحذ الهمم، والشوق للمعالي، و إلا فما ثمة غير سفاسف من الأمر، ليس لك منها شيء.

إن من جملة تذكير النفس بالمعاني العالية إلزامها بصنوف من العمل الصالح، ومتابعتها، ومحاسبتها، وإتعابها في ذات الله، ولا يدرك هذا بالأحلام والتمني، وإنما بتعب ونصب.

فقد كان سعيد بن جبير ـ رضوان الله عليه ـ إذا دخل العشر اجتهد اجتهاداً حتى ما يكاد يقدر عليه .
وروي عنه أنه قال : " لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر" كناية عن القراءة والقيام.

 

وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين

 

 

 


faheemfb@gmail.com   فهيم أبوخـطـوة ،، البريد الإلكتروني