خطب الجمـعة |
|
|
05 |
بسم الله الرحمن الرحيم
فضل بِناء المساجد
كتبها : ش .
ترجمها إلى الإنجليزية: د . فهيم بوخطوة
01 01 1400 هـ
01 01 2000 م
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وعنا معهم بجودك وفضلك يا كريم
قال تعالى: {وإنّما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخشى إلاّ الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين} التوبة 18
قال إبن كثير رحمه الله: ((وليس المراد هنا من عمارتها زخرفتها وإقامة صورتها فقط ، إنّما عمارتها بذكر الله فيها وإقامة شرعه فيها ورفعها عن الدّنس والشرك)). وقال تعالى:{في بيوتٍ أذن الله أن ترفع ويذكر فيها إسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال} النّور
ذكر عبدالرّزّاق الصنعالي رحمه الله في تفسيره عن الحسن قال: ((أذن الله أن تُبنى ويُصلى فيها باغدو والآصال)) تفسير الصنعالي 3/61
وقال الطبري رحمه الله تعالى: ((واختلف أهل التأويل في تأويل قوله تعالى: {أذن الله أن ترفع} فقال بعضهم معناه أذن الله أن تبنى ثم روى عن مجاهد ((أذن الله أن ترفع)) قال تُبنى، وقال آخرون معناه: أذِنَ الله أن تُعَظّم . كما روي عن الحسن في قوله: ((أذن الله أن ترفع)) يقول أن تعَظّم لذكره . ثم قال ((أي الطبري)) وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب القول الذي قاله مجاهد وهو أنّ معناه أذن الله أن تُرفع بناءً كما قال جلّ ثناؤه: {وإذ يرفع إبراهيمُ القواعد من البيت} وذلك هو الأغلب من معنى الرفع في البيوت والأبينة )).
وقال العلاّمة السعدي رحمه الله في قوله تعالى: {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها إسمه} النّور 36 يعم أحكام المساجد كلها فإنّه أمر فيها بشيئين:
1
. يرفعها الذي هو تعظيمها وصيانتها عن الأوساخ والأقذار والأنجاس الحسيّة والمعنوية ، وتعمر العمارة اللائقة بها . (( فلا يجوز بأي حال من الأحوال أن تكون مساجدنا غرضا للأوساخ والنجاسات والقاذورات الحسيّة ، ولا أن تكون مكانا للنجاسات المعنوية كأن تكون مكاناً للغناء والرقص وغير ذلك ))2. ويذكر فيها إسمه بأنواع التعبد من صلاةٍ وقراءةٍ . وتعلم علم نافع ، وتعليم وذكر الله تعالى . فكل ما قاله أهل العلم من أحكام المساجد وفصّلوه فهو داخل في هذين الأمرين. فتبارك من جعل كلامه فيه الهدى والشفاء والنور.
وقال رحمه الله: أي يُتعبّد الله "في بيوتٍ" عظيمة فاصلة هي أحبُّ البقاع إليه وهي المساجد . "أذن الله" أي أمر ووصىَّ ، "أن ترفع ويذكر فيها إسمه" هذا مجموع أحكام المساجد فيدخل في "رفعها" بناؤها وكنسها وتنظيفها من النجاسة والآذى . وأن تُصان عن اللغو فيها ورفع الأصوات بغير ذكر الله . "ويذكر فيها إسمهّ" يدخل في ذلك الصلاة كلها فرضها ونفلها وقراءة القرآن والتسبيح والتهليل وغيره من أنواع الذكر ، وتعلم العلم وتعليمه والمذاكرة فيها والإعتكاف وغير ذلك من العبادات التى تُفعل في المساجد . ولهذا كانت عمارة المساجد على قسمين:
عمارة بنيان وصيانة لها . وعمارة بذكر إسم الله من الصلاة وغيرها . وهذا أشرف القسمين . فطوبى لمن رزقه الله مالاً يعمر به المساجد ويساهم في إنشائها .
وعن عائشة رضة الله تعالى عنها قالت: "أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببناء المساجد في الدور وأن ننظف ونطيب" . وجاء في فضل بناء المساجد وعمارتها أحاديث كثيرة منها حديث عثمان بن عفّان رضي الله عنه قال: "إني سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: [من بنى لله مسجداً (وقال أحد الرواة): حسبت أنّه قال: يبتغي به وجه الله بنى الله له مثل في الجنّة"]
فنلاحظ هنا أنه شرط لنيل هذا الأجر أن يكون لوجه الله تعالى . فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إنما الأعمال بالنيّات ، وإنما لكل إمرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى إمرأة ينكحها فهجرته إلى ماهاجر إليه "
وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: [إن مما يلحق المرء من عمله وحسناته بعد موته: علما علمه ونشره ، أو بيتا لإبن السبل بناه ، أو نهرا أجراه ، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه بعد موته]
وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "أبنوا المساجد وأخرجوا القمامة منها ، فمن بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنّة". فقال رجل: يا رسول الله: وهذه المساجد التى نبني في الطريق؟ قال: "نعم ، وإخراج القمامة منها مهور الحور العين ".
أيها الإخوة المؤمنون يقول الله تعالى: {آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ، فالذين آمنوا وأنفقوا فهم أجر كبير} . فإذا رزق الله عبده الصالح مالاً صالحاً وسلطه على إنفاقه في وجوه البر والإحسان فقد وفقه للخير وهداه إلى صراط الدين أنعم عليهم من أهل الإسلام والإيمان . ولا غبطة إلا في إثنتين:
1.
رجل آتاه الله مالاً فهو يقول به هكذا وهكذا ويخدم به الدين .2. ورجل أتاه الله ال
قرآن فهو يقوم به آناء الليل وأطراف النهار
وقد ذهب أهل الدثور بالأجور يُصلّون كما نصلّي ، ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده . وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ { فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى ، وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنسره للعسرى }. وقال تعالى: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبّون}
فيا رجال الله هبّــوا ليس غـــير الله ربُّ
إنّ في القرآن آيــة فيها للعشـاق طــب
لن تنالــوا البر حتى تنـفـقوا ممّـا تحـبوا
واعلموا أيها الإخوة الكرام أنه {إنما يتقبّل الله من المتّــقين} ، {إيه يصعد الكلم الطيّب والعمل الصالح يرفعهُ}
وحين سمع أبو طلحة الأنصاري هذه الآية قال: إن أحب أموالي إليّ بئر حاءٍ ، وقد جعلتها في سبيل الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله فقال صلّى الله عليه وسلّم "بخٍ بخٍ ذلك مالً رابح"
وجاء عثمان بن عفان رضي الله عنه لجيس العدرة بألف دينار وحمل على قائمة فرس وثلثمائة بعير في سبيل الله فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم "ما ضرَّ عثمان ما صنع بعد اليوم"
وهنيئا لأهل المال سعيهم المشكور وعملهم الناجح المبرور . وكان الرجلُ من المسلمين يجود بماله كلّه في سبيل الله حتى مدحه الله بقوله: {وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا إبتغاء وجه ربّه الأعلى ولسوف يرضى} ، فبورك الممدوح وتبارك المادح .
أيها المسلمون يا من تملكون المال ها أنتم اليوم تدعون إلى الخير والإنفاق في سبيل الله فجودوا مما أعطاكم الله تعالى ولا تبخلوا ، واعلموا {أنّ ما عندكم ينفد وما عند الله باق}
واعلموا يا إخوتي الكرام بأن الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة كما جاء ذلك في الذكر الحكيم ، قال تعالى: {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبّةٍ أنبتت سبع سنابل ، في كل سنبلة مئة حبّة ، والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم}
واعلم يا أخي أنه لم تكن بالله حاجة حين طلب منك القرض وَوَعَدَك عليه بالأجر الجزيل والثّواب العظيم ولكن ليبلوكم فيا آتاكم . {ومن يقرض الله قرضا حسنا يضاعفه له وله أجر كريم ، وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هوخيراً وأعظم أجرا واستغفروا الله ، أن الله غفور رحيم}
{إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم}
فها هي أبواب الخير أمامكم مفتوحة مشَرَّعة فــ {سارعوا إلى مغفرة من ربّكم وجنّة عرضها السموات والأرض أُعِدَّت للمتقين}.
وأذكركم بحديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم [من بنى مسجداً قدر مفحص قطاةٍ بنى الله له بيتاً في الجنّة] والقطاة طائر صغير . ومفحص القطاة هو المكن الضيّق الذي تفحص التراب عنه لتبيض فيه . أي مهما بلغ من الصغر والضيق فإن له عند الله بيتاً في الجنّة .
والحمد الله رب العالمين