خطب الجمـعة |
|
|
03 |
بسم الله الرحمن الرحيم
يوم الأقصى
كتبها : ش . د . يونس صالح
ترجمها إلى الإنجليزية: د . فهيم بوخطوة
27 شوّال 1430.
16 أكتوبر
2009
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وبعد : هذا اليوم جعله إخوانكم في المسجد
الأقصى يوم لم الشمل والتوحُّد، والإتحاد ولذلك من الواجب علينا أن نتحدث
عن المسجد الأقصى تضامنا مع
إخواننا في أرض الرباط. فإذا أردنا أن نتحدث عن فضله فنقول: كان الإسراء من
المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بالقدس، وهذان المسجدان مع المسجد النبوي
بالمدينة هي المساجد التي قال عنها رسول الله: ((لا
تُشد الرّْحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا والمسجد الأقصى))
بقي المسجد الأقصى آمنا يعمره أهل الإيمان إلى أن قام عباد الصليب باحتلاله يوم 23 شعبان 492 هـ، فقتلوا فيه في يوم واحد أكثر من سبعين ألف مسلم بينما لم تسقط نقطة دم عند فتحه على يد عمر وجيش الإسلام، وظل الأعداء يفسدون في أرض الإسراء، وساعدهم على ذلك اختلاف حكام المسلمين فيما بينهم وتنافسهم على الكراسي حتى شاء الله تعالى أن يأتي بالفرج على يد صلاح الدين الأيوبي الذي قاد جيشا مباركا، فتح به أرض فلسطين وهزم الأعداء في معركة ((حطّين)) عام 583.
والنصر والفتح لا يمنحه الله تعالى إلا للمؤمنين الصادقين المجاهدين لإعلاء كلمة الدين فصلاح الدين عاد بالمسلمين إلى عهد السلف فأقام العدل وابتعد عن اللهو والعبث وأنفق الأموال في مصالح الأمة. وعندما مات لم يخلف في ملكه إلا سبعة وأربعين درهما، وكان محبا للعلماء يحرص على مجالستهم وينتفع بإرشادهم فحرص على الجهاد ورفع راية الإسلام وتحرير أرض فلسطين. فحقق الله آماله، قال تعالى: وكان حقا علينا نصر المؤمنين. وعندما إقترب من القدس خاف الصليبيون أن يعاملوا بالمثل فطلبوا الأمان ، فأجابهم لذلك، وفتح الله القدس للمسلمين مرة أخرى دون أن تسقط نقطة دم. وشاء الله أن يعود بيت المقدس إلى الإسلام يوم الجمعة 27 رجب عام 583 بعد أن بقي مدة 92 سنة تحت الإحتلال الصليبي.
عباد الله، في سورة الإسراء نقرأ الإشارة إلى حِكمة الإسراء {لنريه من آياتنا} وبمناسبة المسجد الأقصى يذكر كتاب موسى وما قضى فيه لبني إسرائيل من هلاك وتشريد بسبب إفسادهم وطغيانهم. قال تعالى: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا}. فالله تعالى يخبر أن بني إسرائيل سيفسدون في الأرض المقدّسة التي بها المسجد الأقصى مرتين، خلال دولتين تقومان على الظلم والبغي والاستكبار . وأنهم كلما إرتفعوا وسيطروا واتخذوا ذلك وسيلة للإفساد، سلط الله عليهم من عباده من يقهرهم ويدمرهم. ويذكر العلماء أن الإفساد الأول وقع بقتلهم للأنبياء، ومخالفة أحكام التوراة، وأن المرة الثانية لم تقع بعد، وما يقع الآن في أرض فلسطين مقدمة للمرة الآخرة .
فها هم بنو إسرائيل قد بلغوا من العلو والسيطرة ما لم يبلغوه من قبل . فاحتلوا أرض فلسطين والقبلة الأولى وأخضعوا أقوى دول العالم لسيطرتهم. وهيمنوا على الإقتصاد ووجهوا وسائل الإعلام، وتوددت إليهم مختلف الدول. وأصبح أمرهم هو المطاع وهم يعلنون، بكل وقاحة، أنهم سادة الدنيا وغيرهم عبيد. يقول أحد حاخامتهم (الأغيار، أي غير اليهود، مخلوقات شيطانية كلِّية لا يوجد فيها ما هو خير إطلاقا ووجود غير اليهودي ليس ضروريا حيث أن كل الخليقة كانت من أجل اليهود وحدهم). هذه عقيدتهم ولذلك تراهم اليوم يعملون على الهيمنة على اقتصاد البلاد الإسلامية، ليكونوا سادة مسيطرين. لكن نحن على يقين أن وعد الله حق، وأن وعد الآخرة آت لا ريب فيه، فنبينا عليه الصلاة والسلام يقول: ((لا تزال طائفة من أمّتي على الحق ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك، قالوا يا رسول الله وأين هم قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس)) [2][2]، وأخبر أن المسلمين سيقاتلون اليهود، وأن الحجر سينطق مخبرا بأماكن وجودهم، {ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز}.
عباد الله: قال نبيُّنا: ((خمس بخمس: ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم ، وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر ، ولا ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت، ولا طففوا - نقصوا - المكيال والميزان إلا منعوا القطر وأخذوا بالسنين - المجاعة -، ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم المطر))، فمن أسباب حبس المطر منع الزكاة، فالله تعالى يرحم من عباده الرحماء، والناس اليوم بحاجة ماسة لماء السماء، وهم قبل ذلك بحاجة إلى التوبة وأداء الحقوق والاستغفار: {فقلت إستغفروا ربكم إنه كان غفارا، يرسل السماء عليكم مدرارا، ويمددكم بأموال وبنين، ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا}.
أيها المسلمون ، إن حالة الهوان والضعف التي تعيشها أمّتكم هي التي أغرت الأمم الأخرى بالإعتداء عليكم والطمع في بلادكم وثرواتكم. لكن عَمِد أعداءُ دينكم إلى إطفاء نور هذا الدين من خلال إبعادكم عن الاحتكام إلى شرع الله والرجوع إليه في جميع شؤون حياتكم، {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة:32].
أيها المسلمون، إن الناظر إلى ما يجري في دنيا المسلمين ليجزم بأن الصراع بين الحق الذي تؤمنون به وتحملونه عقيدة في صدوركم وبين الباطل الذي يَحشُد كلَّ قُواه ويُسخّر كل طاقاته وأعوانه للقضاء عليه؛ أن هذا الصراع لن ينتهي بمسالمتكم لقوى الباطل والرضا بتنفيذ مخططاتها والسير في ركابها ولا بتقديم عزّة الأمة وكرامتها قرابين على مذبح الهوان لأعدائكم. فالله تعالى يقول وقوله الفصل: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا} [البقرة:217]، فادفعوا الرِّدّة عن أنفسكم ، وخذوا العبرة من سيرة أسلافكم الذين حملوا هذا الدين عقيدة وشريعة ، تنظّم الحياة والأحياء ، وتنشر العدل ، وتدفع الظلم، وتحمي كرامة المسلمين، وتردّ الطامعين والمعتدين، وتحفظ أعراض المسلمين، وتعيد نخوة المعتصم وعزيمة صلاح الدين .
نسأل الله العلي الكبير أن يجمع شمل أمتنا وينصرنا على أعداءنا إنه جواد كريم .