خطب الجمـعة |
![]() |
|
171 |
|
بسم الله الرحمن الرحيم
تقوى الله 4
كتبها : الشيخ عبد الرزّاق طاهر فارح
ترجمها إلى الإنجليزية : د . فهيم بوخطوة
11 ذو الحجة 1436
25 سبتمبر 2015
أحبتي في الله ،، التقوى هو عنوان لقائنا مع حضراتكم في هذه الجمعة المباركة . فالتقوى هي وصيّة الله للأوّلين والآخرين من خلقه، ووصيّة النّبي صلى الله لعيه وسلم لجميع أمّته، ووصيّة السلف الصالح لبعضهم البعض. ومع ذلك فقد لا يعرف كثير من المسلمين من أجيالينا المعاصرة عظمة هذه الوصيّة.
أحبّتي في الله ،، الغاية من خلق الخلق هي العبادة. ما خلق الله السموات والأرض، والجنّة والنّار، وما أنزل الكتب وما أرسل الرُّسل إلا من أجل هذه الغاية. قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}51 :56-58 . كلنا يعلم هذه الحقيقة، كلنا يعلم الغاية التي من أجلها خُلِقَ الخَلق،، وهي العبادة. لكن هل تعليم أن الغاية من العبادى هي التقوى. قل جلّ وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} 2: 21.
وما هي التقوى أيها الأفاضل؟
فالتقوى هي أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه ويحذره وقاية. فتقوى العبد لربّه جلّ وعلا هي أن يجعل العبد بينه وبين سخط الله جلّ وعلا وغضبه وعذابه وقاية. هذه الوقاية هي فعل الطاعات واجتناب المعاصي.
بماذا عرّف سلفنا الصالح رضوان الله عليهم التقوى؟ ذهب رجل إلى أبي هريرة رضي الله عنه فقال له : يا أبي هريرة، ما التقوى؟ فقال أبوهريرة: هلا أخذت طريقا ذا شوك؟ قال نعم. قال السائل: كنت إذا رأيت شوكاً إتّقيت (أي إبتعدت عنه). فقاال أبو هريرة: ذاك التقوى.
وقال إبن معتز خل ذنوب (أي إبتعد) صغيرها وكبيرها، فهو التقوى، واصنع كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى. لا تحقرنَّ صغيرةً ، إن الجبال من الحصى. أما طلق إبن حبيب رحمه الله فقد عرّف لتقوى فقال: التقوى هي أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجوو ثواب الله. وأن تترك معصية الله، على نور من الله، تخاف عقاب الله. وعرَّف أيضا علي إبن أبي طالب رضي الله عنه (وإن كان هذا الأُثر في سنده ضعف)، فقد قال: التقوى هي عمل بالتنزيل (يعني عمل بالقرآن، اللهم ارزقنا العمل بالقرآن)، والخوق من الجليل، والرِّضى بالقليل، والإستعداد ليوم الرحيل. من أجل ذلك أيها الأفاضل كانت التقوى هي وصيّة الله جلّ وعلا للأوّلين والآخرين من خلقه. وكانت التقوى وصيّة المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلّم لأمّته، وكانت التقوى وصيّة الصًالحين لبعضهم البعض إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
أحبّتي في الله ،، كانت التقوى وصيّة الله جلّ وعلا للأولين والآخرين من خلقه. قال جلّ وعلا: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} 4:131. وهذه وصيّة الله جلّ وعلا لجميع خلقه، وهي وصيّة النّبي صلى الله عليه وسلم للأمّة كلها، من لَدُنِّ الصّحابة إلى آخر رجل في الأمّة ستقوم عليه السّاعة. روى الإمام التمرذي وغيره بسندٍ صحيح من حديث عرباط إبن سارية رضي الله عنه، قال وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظةً بليغة، وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: كأنّها موعظة مودِّع، فأوصنا يا رسول الله. فقال صلى الله عليه وسلم: {أوصيكم بتقوى الله عزَّ وجلّ ...} إلى آخر الحديث. فهي وصيَّة النبي صلى الله عليه وسلم للأمّة. بل لقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم حبيبه مُعاذ إبن جبل رضي الله عنه، كما في سند الترمذي بسندٍ حسن، أنّه صلى الله عليه وسلم قال لِمُعاذ: {إتّقي الله حيث ما كنت (يعني في أي مكان كنت، حقق تقوى الله تعالى)، وأتبع السّيئة الحسنة تمحوها، وخالق النّاس بخلق حسن}. وأوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سعيد الخذري رضي الله عنه كما في سند أحمد بسندٍ حسن، قال أبوسعيد: أوصني يا رسول الله. فقال عليه الصلاة والسلام: {أوصيك بتقوى الله، فإنّها رأس كل شئ}. وفي لفظ آخر: {عليك بتقوى الله، فإنّها جماع كل خير}.
وأوصى بها سلفنا الصّالح لبعضهم البعض. أوصى بها الصِّدِّيق لعمر إبن الخطاب رضي الله عنهما. تصوّر أبوبكر الصّديق وهو على فراش الموت لا يوصي الفاروق إلا بتقوى الله عزّ وجلّ ويقول له: إتّقي الله يا عمر، إتّقي الله يا عمر. ويوصي عمر إبن الخطاب رضي الله عنه ولده عبد الله إبن عمر فيقول له: أمّا بعد، فأوصيك بتقوى الله عزّ وجلّ.
أيها الوالد الفاضل، هل أوصيك ولدك يومًا بتقوى الله جلّ وعلا؟ جميل أن توصي ولدك بالتفوق في دراسة الإنجليزية أو الألمانية أو الفرنسية. أنا لا أقلل من شأن هذه العلوم، بل يجب على الأمّة وهي أمّة القراءة وأمّة العلم أن تتعلم وأن تُبدع في كل جانب العلم والعمل. يقول الوالد لولده: يا بُني أوصيك بتقوى الله عزّ وجلّ. وإذا قال لك ولدك: يا أبي ما التقوى؟ فتبيّن له حقيقة التقوى، وحق التقوى، وصفات المتّقين، وثمرات التقوى في الدنيا، وفي الآخرة بين يدي الله جلّ وعلا. لذا فالأمر يحتاج منّا إلى تعلم عن الله، وإلى تعلم عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله ومن والاه.
أقول قولي هذا وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمد رسول الله.