Checkout

خطب الجمـعة

faheemfb@gmail.com

168

      

 

     
 

     


بسم الله الرحمن الرحيم

أبواب الخير ـ العبادة

 

 

كتبها : الشيخ  عبد الرزّاق طاهر فارح

ترجمها إلى الإنجليزية : د . فهيم بوخطوة

 

27 ربيع الأوّل 1434

8 فبراير 2013

 

أحبتي في الله ، ألا أدلكم على أبواب الخير؟ الجواب على هذا السؤال هو عنوان لقائنا مع حضراتكم في هذا اليوم المبارك . وهذا السؤال الذي إخترت عنواناً لهذا اللقاء إنما هو سؤال رسول ربّي الأرض والسماء لصحابي جليل أحبّه المصطفى صلى الله عليه وسلم وأعلن له ذلك . ألا وهو معاذ إبن جبل رضي الله عنه . روى الإمام أحمد الترمذي والنسائي والبيهقي والطربي وإبن حيّان وإبن أبي شيبة وغيرهم ، وهو صحيح من حديث معاذ إبن جبل رضى الله عنه أنه سأل النّبي صلى الله عليه وسلّم سؤالاً يحتاج إليه الآن كل مسلم ومسلمة . (إسمع السؤال وتعرّف على الجواب) . قال معاذ : يا رسول الله ، أخبرني بعمل يُدخلني الجنّة ويباعدني من النّار . هل نحتاج جواب على هذا السؤال ؟ بالطبع نعم . وهل صلّى المصلون ، وبكى الباكون وجاهدالمجاهدون وزكّا المزكون وحجّ الحّاجون وأنفق المنفقون ووحّد الموحِّدون إلا من أجل الجنّة ؟ وأن يقيهم الله جلّ وعلا من النّار ؟ والجواب بلى .

إسمع ماذا قال النبي المختار لمعاذ إبن جبل : "لقد سألت عن عظيم ، وإنّه ليسير على من يسّر الله عليه" . تعرَّف على طريق النجاة من النّار ، في كلمات مختصرة مِمَّن أتاه الله جوامع الكلم .

 

قال صلى الله عليه وسلّم : تعبد الله ولا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة وتؤت الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت . ثم قال صلى الله عليه وسلّم بنفسه لمعاذ : ألا أدلك على أبواب الخير ؟ قال معاذ : بلي يا رسول الله . قال صلى الله عليه وسلّم : الصوم جُنّة ، والصدقات تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النّار ، وصلاة الرجل في جوف الليل. وتلى النبي قول رب العُلى { تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ .  فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }  32 : 16-17 . ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامة ؟ قال مُعاذ : بلى يا رسول الله . قال صلّى الله عليه وسلّم : رأس الأمر الإسلام ، وعموده الصّلاة ، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله . ثم قال صلى الله عليه وسلم : ألا أخبرك بملاك ذلك كلّه ؟ قال مُعاذ : بلى يا رسول الله . فأخذ الرسوم صلّى الله عليه وسلم بلسانه وقال : كفّ عليك هذا . فقال مُعاذ : أوإنّا لمؤاخذون بما نتكلم به يا رسول الله ؟ قال صلى الله عليه وسلم : ثكلتك أمك يا معاذ (وهذه دعوة لا يُقصد منها معناها جريا على عادة العرب). قال : ثكلتك أمك يا مُعاذ ، وهل يُكب النّاس في النّار على وجوههم (أو على مناخرهم) إلا حصائد ألسنتهم .

 

والله الذي لا إله غيره ، حديث يحتاج إلى جُمَعٍ عديدة . لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أتها الله جوامع الكلم . قال معاذ : يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنّة ويباعدني من النّار . ماذا قال النبي النبي صلّى الله عليه وسلّم ؟ تعبد الله ولا تشرك به شيئا . أخي الحبيب هذه هي الخطوة العملية الأولى على طريق الجنّة والنجاة من النّار . أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا . العبادة ، أصل معناها في اللغة "أذل" يقال طريق معبّد أي طريق مذلّل وطئته للأقدام . والعبادة إصطلاحا من إسم جامع لكل ما يحبّه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة كالصلاة والزكاة والصيام والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدقة وقيام الليل والذِكْرِ والإستغفار والدعوة إلى الله والتوكل والإنابة والخشية والتفويض والرجاء والإستعانة والإستغاثة . كُلّ هذه الأعمال وغيرها من العبادة . فالعبادة ليست أمراً على هامش الطريق . بل هي الصيحة الأولى لك رسالة ، والدعوة الأولى لكل نُبوّة . قال الله جلّ وعلا : { إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ .  قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ . أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} 71 : 1-3 . أوّلكلمة : أن اعبدوا الله واتقوا الله وأطيعون.

وقال تعالى : {وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا . قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } 11 : 50 . وقال تعالى : { وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا . قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ} 7 : 73ـ74 . وقال تعالى : { وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا . قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ }11 : 84-85 . وبالجملة قال جلّ جلاله : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} 21 : 25 .

أخي الحبيب ، أختي الغالية ، ما خُلقنا إلاّ من أجل هذه الغاية . لا ينبغي ان نجعل الدنيا غاية ، وأن نجعل العبادة وسيلة للحصول على هذه الغاية ، بل الغاية هي العبادة ، ويجب توظيف الدنيا كلها من أجل هذه الغاية . يجب توظيف مالك وزوجتك وولدك وبناتك وعقلك وفكرك ومنسبك وكرسيّك من أجل هذه الغاية . من أجل أن يُفرد الله بالعبادة . والله لو عشنا آلاف السنين دون تحقيق هذه الغاية فلا سعادة لنا في الدنيا ولا في الآخرة ، ولا نُصرة لنا ولا تمكين . بل هذه هي الخطوةة الأولى إلى النُصرة في الدنيا والإستخلاف والتمكين ، وهي الخطوة الأولى على طريق دخول الجنّة والنّجاة من النّار بإذن العزيز الغفّار .

 

العبادة أيها الأفاضل ، قال الله فيها :{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}51:56. واعلم إنه إن تخلّى الخلق كله عن عبادته فهو غنيٌّ عنهم لا تنفعه طاعة ، ولا تضرّه معصية . بل الكون كله في عبادته والكون كله في تسبيح له . {وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ .  يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} 21 :19-20 . وقال تعالى : {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} 17 : 44 . وقال جلّ وعلا : {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ . وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ . وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ . إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}22 : 18 . أيّها الأحبّة ، واجب علينا أن لا نمل قضيّة التوحيد وقضيّة العبادة . وما أحوج الأمّة لهذه القضيّة . أيها الإخوة ، الإسلام عقيدة تنبثق منها شريعة . تنظّم هذه الشريعة كل شئون الحياة . ولا يقبل الله من قوم شريعتهم إلاّ إذا صحّت عقيدتهم . الخطوة الأولى هي أن أي عبادة لا تُـقبل منك إلا إن أخلصت النيّة لله ، وكنت متابعا فيها للصادق الذي لا ينطق عن الهوى ( الرسول صلى الله عليه وسلّم ) . أو أخلصت العبادة دون إتّباع فلا يقبل الله منك ، ولو إتّبعت دون إخلاص فلا يقبل الله منك . قال تعالى : {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} 98 : 5 . قال إبن عبّاس : أي مخلصين له العبادة . إعلم أن دين الله الذي هو الإسلام بُني على أصلين . ومن بركة العلم أن تنسبه لأهله ، فهذا من نفيس كلام إبن تيمية طيّب الله ثراه : الأول أن نعبد الله وحده لا شريك له ، والثاني أن نعبده بما شرعه الله على لسان رسوله . وهذان الأصلان هما حقيقة قولنا : "نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله" . فبشهادة الأولى يُعرف المعبود عزّ وجلّ ، وبالشهادة الثانية (أشهد أن محمداً رسول الله) يُعرف الطريق الموصل إلى المعبود عزّ وجلّ . كل الطرق إلى الله مسدودة إلا من طريق محمدٍ صلى الله عليه وسلم .

 

يا من وحّد الله أسجد لربك شاكراً أن وفّقك لتوحيده . نعمةً ، بل هي أشرف نعمة وأكرم نعمة ، وأجل نعم . كلّ مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانهه أو يمجسانه (يعني ينشأن الولد يهوديا أو نصرنانيا أو مجوسيا يعبد النّار) ونحن قد نشئنا في بيوت توحِّد الله العزيز الغفّار . الفضل لمن ؟ الفضل لله عزّ وجلّ إبتداءً وإنتهاءً .

أسجد لربّك أن خلقك موحِّداً ، وسل الله عزّ وجلّ أن يُثبِّتك على التوحيد وأن يختم لك بالتوحيد . كثير من النّاس لا يقدِّر هذه النعمة حق قدرها ، وهي أشرف وأجلّ نعمة . يا أخي ، بِتَّ الليلة الماضية بدون عشاء ، أو ما وجدت شيئا كنت تتمناه ، ما الإشكال وقد منَّ عليك الله الكبير المتعال بأشرف نعمة ، وهي نعمة التوحيد . إنظر حولك ، أنظر إلى من نعيش معهم هنا في هذا البلد ، والله ستعرف نعمة الإسلام . يعرفون ظاهرا من الحيا ة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون . ومهما طالت الدنيا فهي قصيرة ، ومهما عظُمت الدنيا فهي حقيرة ، ومهما عشت فأنت راحل . لأن ليلك مهما طال ، لا بد من طلوع الفجر ، ولأن عمرك مهما طال ، فلا بد من دخول القبر . فالدنيا قصيرة وإن طالت بُنِيَتْ لغيرك ، والدنيا حقيرة لأنها إلى زوال وإلى فناء . ولو فكّرت في هذه النعمة عشت راضيا مطئنا ، سعيدا ، أمنا شاكرا ، ذاكرا حامدا لربّك سبحانه وتعالى . قال تعالى : {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا . قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم . بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}49 : 17ـ18 . وقال تعالى : { ذَ‌ٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ . وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} 62 : 4 .

 

الخطبة الثانية :


الحمد لله الملك الجبّار ، الواحد القهّار ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له . ربّ السماوات والأرض وما بينهما ، العزيز الغفّار . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الأطهار الأخيار .

 

أحبتي في الله ، فاعلموا أن الله ما فرض علينا العبادة من أجل أن نشقى أو من أجل أن نتألم ، أو من أجل أن نَسُبّ أو ننتحب . بل ما فرض الله علينا العبادة إلا ليهيّـئنا للوقوف بين يديه . لا أدري هل إنتبهت إليها ، فهي والله عظيمة ، يا أخي هل فكّرت في ساعةٍ تُدعى فيها للوقوف بين يي وزيرٍ أو رئيسٍ أو ملكٍ من ملوك الدنيا ليكرمك . لن تنسى هذه الساعة ما حييت . فمالك الملوك وجبّار السماوات الأرض والرحمن الرحيم فرض علينا العبادة ليشرِّفنا للوقوف بين يديه . فالعبادة لنا نحن ، ليست لربنا . كما قال صلى الله عليه وسلّم في الحديث القدسي الذي رواه مسلم من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه: {يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في مُلكي شيئا . يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك في مُلكي شيئا} . بمعنى أن الله جلّ وعلا غنيّ عنا وغنيّ عن أعمالنا وأفعالنا . لا تضرّه معصية ، ولا تنفعه الطاعة . يا أيها النّاس أنتم الفقراء إلى الله ، والله هو الغنيّ الحميد . إن يشأ يُذهبكم ويأت بخلق جديد ، وما ذلك على الله بعزيز . فالعبادة تطهير لقلوبنا ، وتزكية لنفوسنا ، وشرح لصدورنا . وتطهير للمعاصي والأوزار والآثام .

 

 


faheemfb@gmail.com   فهيم أبوخـطـوة ،، البريد الإلكتروني