خطب الجمـعة |
![]() |
|
150 |
بسم الله الرحمن الرحيم
النهي عن الفرقة والتقاطع
كتبها : الشيخ
ترجمها إلى الإنجليزية : د . فهيم بوخطوة
4 محرم 1432
10 ديسمبر 2010
أما بعد عباد الله
تحدثنا في الجمعة الماضية عن فضل الإصلاح بين الناس.
واليوم بإذن الله تعالى وتوفيقه يكون حديثنا عن وجوب وحدة المسلمين والنهي عن التقاطع والعداوة بين المسلمين وفي ذلك ورد الحديث عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقاطعوا ، ولا تدابروا ، ولا تباغضوا ، ولا تحاسدوا ، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثٍ. رواه مالك والبخاري وأبو داوود والترمذي والنسائي ، ورواه مسلم أخصر منه والطبراني وزاد فيه : "يلتقيان فيعرض هذا ويُعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام يسبق إلى الجنة". قال مالك : لا أحسب التدابر إلا الإعراض عن أخيك المسلم فتدبر عنه بوجهك . وهذا معناه أنه لا بد لكي يكون إسلاما بالمعنى الصحيح أن يكون هناك تعاطف وتراحم بين المسلمين دون هجر أو عدوان. وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بهذا فإنه يريد به أن نكون دائما وأبدا متحابين في الله حتى نكون جميعا من المعتصمين بحبل الله المتين الذي أمرنا الله بالإعتصام به في قوله (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا...) . ففي هذا الحديث الشريف يوصي النبي صلى الله عليه وسلم بأهم ما ينبغي على المسلمين جميعا أن يُلاحظوه وأن يُنفذوه ، وهو أن لا يكون هناك تقاطع بينهم . فيقول ناهيا إيانا جميعا نحن النسلمين الصادقين :
** " لا تقاطعوا": حتى نظل قوة متماسكة لا يستطيع الشيطان أن ينال منها أو أن يتحرش بها فإن الفرقة والقطيعة إنما هي من كيد الشيطان الذي حذرنا الله سبحانه وتعالى من عداوته وكيده قال تعالى: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [فاطر:6] والشيطان ما يزال يعلن العداوة لبني الإنسان منذ أن لُعن وطُرد من رحمة الله سبحانه وتعالى ولقد طلب من الله عز وجل الإنظار وطول الحياة ليُضل العباد ويفتنهم عن دينهم. قال الله تعالى: (قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ قَالَ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) الأعراف:13ـ 17. فما زال الشيطان بآدم عليه السلام حتى أخرجه من الجنة وما زال ببني آدم حتى أوقع بينهم الفرقة والعداوة . فالشيطان أيها الأخوة حريص على تفريق الناس وبث الفتنة بينهم متخذا في تحقيق ذلك كل الحيل الشيطانية وفي ذلك يقول المولى سبحانه محذرا المؤمنين من أن تنطلي عليهم حيل الشيطان ومكائده: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُون) المائدة:90ـ91 . فالشيطان حريص على إيقاع العداوة والبغضاء بين المؤمنين ليفترقوا وهو في ذلك يسلك كل سبيل ليصل إلى هدفه ومبتغاه. لذلك جاء النهي في هذا الحديث عن التقاطع "لا تقاطعوا" وإننا لنلمس في عالمنا الإسلامي المعاصر كيف يتحرش المسلم بأخيه المسلم ... ويحرص على إيذائه وإنتهاك عرضه وسلب حقوقه ومتطلبات حياته متناسيا قوله صلى الله عليه وسلم: "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه" وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم في قوله الذي ورد في نص حديث صحيح رواه مسلم: "إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ، ولكن في التحريش بينهم" ومعنى هذا الحديث أن الشيطان أيس أن يعبده أهل جزيرة العرب ولكنه سعى في التحريش بينهم، والتحريش هو إثارة الفتن والعداوة والضغائن والفرقة بين المؤمنين. فمن أعظم فتن الشيطان في بني آدم فتنة التحريش بينهم. ومن أحب الأعمال إليه التفريق بين المؤمنين فيفرق بين الأخ وأخيه وبين الأب وابنه وبين الزوجة وزوجها . ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا فيقول: ما صنعت شيئا ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته قال: فيدنيه منه ويقول: نِعمَ أنت)). بل إن التفريق بين الناس جماعات وأفرادا هي من مكائده وحبائله منذ قديم الزمان فها هو ذا يسعى بالتفريق بين يوسف عليه السلام وإخوته إذ يلقي العداوة والبغضاء في نفوس إخوة يوسف لأخيهم يوسف عليه السلام فيقدمون على التخلص منه بإلقائه في البئر يقول تعالى حاكيا عن يوسف: (وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) يوسف: 100 وحرصا منه صلوات الله وسلامه عليه على سد الباب أمام الشيطان يحذر أمته ويأمرها بالوحدة وباتقاء الله في علاقة المسلم بأخيه المسلم في حالة الغضب والرضى فيقول صلى الله عليه وسلم : " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه" . وكان صلى الله عليه وسلم في حياته يُطفئ كل نار للفتنة . فعن جابر قال : اقتتل غلامان : غلام من المهاجرين، وغلام من الأنصار . فنادى المهاجري يا للمهاجرين ونادى الأنصاري ياللأنصار فخرج الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: "ماهذا؟ دعوى أهل الجاهلية" قالوا: لا يارسول الله إلا أن غلامين اقتتلا فكسع أحدهما الآخر، قال : "فلا بأس ولينصر الرجل أخاه ظالما أو مظلوما ، إن كان ظالما فلينهه فإنه له نصر ، وإن كان مظلوما فلينصره" رواه مسلم. ففي هذا الحديث يبين لنا صلى الله عليه وسلم أن لا نجعل للشيطان ثُغرة بين صفوفنا حتى لا يُوقع بيننا ، ويكون سببا في تقاطعنا وعدم تماسكنا وتراحمنا المشار إليه في الحديث الشريف الذي ورد: عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" رواه مسلم . وعنه أيضا أي النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون كرجل واحد إذا اشتكى عينه اشتكى كله ، وإن اشتكى رأسه اشتكى كله" رواه مسلم . وهذا هو المعنى الذي ينبغي أن يكون متحققا فينا معاشر المؤمنين حتى يكون كل مؤمن منا لأخيه المؤمن "...كالبنيان يشد بعضه بعضا ..." وبعد أن نهى صلى الله عليه وسلم في بداية الحديث عن التقاطع "لا تقاطعوا" قال:
** "لا تدابروا" أي لا تتكلموا في أدبار إخوانكم من خلف ظهورهم بالغيبة والبهتان ، أي الكذب والأفتراء .. وقيل إن معناه لا يدبر بعضكم عن بعض معرضا عنه ، وتاركا إعانته ونصره لأن ذلك يُؤدي إلى المعاداة والتقاطع والهجران . ثم قال :
** "ولا تباغضوا" أي لا يبغض بعضكم بعضا بتعاطي أسباب البغض كالشتم والضرب ، ومنع النفع ... الخ وقيل معنى لا تباغضوا : أي لا توقعوا العداوة والبغضاء بين المسلمين ، فيكون نهيا عن النميمة، وهي نقل كلام بعض إلى بعض على جهة يترتب عليها الإفساد بينهم ، وهي محرمة إجماعا. فالنميمة نوع من التحريش بين المسلمين وأنها تسبب القطع، وتسبب العض وتسبب الفرقة، فقد ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إلا أنبأكم ما العضه؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: النميمة القالة بين الناس} قال أهل العلم: العضه: هو القطع، فهذا يسبب القطع، وقد أبان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الوعيد الذي يترتب على هذا الإفساد، وهو إفساد التحريش بالنميمة أو بغيرها: {مر الرسول صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، [أي: في كبير اجتنابه] أما إنه لكبير, [أي: كبير إثمه] أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة ، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله [أي: يتساهل في أمر البول حتى يتساقط على بعض جسمه] ، ثم أخذ جريدتين فشقهما ووضع على قبر كل منهما، قال: لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا} . هذان رجلان من المسلمين ، ومع ذلك بسبب هذا الإثم والتحريش استحقا هذا العذاب في القبر، ولو لم يكونا من المسلمين ما شفع فيهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضع الجريدتين: (مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ ) [غافر:18]
ويجب كما قال الغزالي على كل من حُملت إليه نميمة ستة أمور :
1ـ ألا يصدقه ، أي النمام.
2ـ أن ينهاه عن ذلك .
3ـ أن يُبغضه في الله .
4ـ ألا يظن بالمنقول عنه السوء.
5ـ ألا يتجسس لتحقيق ذلك.
6ـ ألا يحكي مانم له به.
يقول أحد الصالحين : إذا نقل إليك أو إليكم أحدا كلاما في عرضكم عن أحد ، فازجروه ، أي الناقل، ولو كان أعز إخوانكم ... وقولوا له : إن كنت تعتقد فينا هذا الأمر فأنت ومن نقلت عنه سواء ، بل أنت أسوأ حالا منه لأنه لم يُسمعنا ذلك وأنت أسمعته لنا ، وإن كنت تعتقد أن هذا الأمر باطل في حقنا وبعيد عنا فما فائدة نقله إلينا . وقال رجل لوهب بن منبه رضي الله عنه : شتمك فلان .. فقال له : أما وجد إبليس رجلا يرسله غيرك.
عباد الله أكتفي بهذا القدر في شرح هذا الجديث وإن كان في العمر بقية أكملنا في الجمعة القادم إن شاء الله تعالى . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.