خطب الجمـعة |
![]() |
|
139 |
بسم الله الرحمن الرحيم
القلوب
كتبها : الشيخ
ترجمها إلى الإنجليزية : د . فهيم بوخطوة
18 شعبـان
143130 يولــيو
2010
أما بعد: إن من عدل الله ورحمته، وعلمه وحكمته، أن خلق عباده أكفاء متساوين في أصل خلقهم، في قدراتهم وإمكاناتهم، هيَّأ لهم أسباب الهداية، ودعاهم للأخذ بها، ووضح سبل الغواية، وحذرهم منها، كلهم خرج للدنيا خلو من العلم {وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً} [النحل78] وكلهم خرج إلى الدنيا ومعه أدوات العلم وآلاته، {وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل78].
فعامة الخلق مزوَّدون بالقلوب التي هي معادن الحكمة والإدراك، ومحل الفقه والتعقل والفهم، ومختبر التحليل والنظر، والتقويم والاختبار، والإرادة والنية. وما السمع إلا آلة نتقل الأصوات من الخارج إلى القلب، وما النظر إلا أداة تنقل المرئيات بصورتها الخارجية إلى القلب، ولكن القلب هو الذي ينفذ إلى الحقائق، ويستخلص العبر، وهو الذي يقبل أو يدبر، هو معتمد الهمة ومحل العزيمة، وعليه مناط الفلاح والخسران، والنجاح والإخفاق.
فالأسماع والأبصار بمثابة وكالات الأنباء ونقلة الأصوات والصور، والأيدي والأرجل آلات تنفيذ، ولكن القلب هو الذي يقلِّب الأمور، ويتدبر الرأي، ويتخذ القرار، والكل يمتثل أمره، ويسير في إرادته. تلك هي وظائف الأعضاء كما خلقها الله، وتلك هي مهامها وأعمالها، ولذلك كان القلب عند أطباء الأبدان في ذروة عنايتهم، وهو كذلك عند أطباء الأرواح والنفوس، وإذا كانت سلامة الإنسان في دنياه منوطة بسلامة قلبه العضوية؛ فسلامته في أخراه وفوزه الأبدي منوط بسلامة قلبه من العلل والدواخل التي حذر منها القرآن الكريم.
فقلوبنا أيها المصلون هي الأدوات التي زودنا بها ربنا لمعرفة الحق، واستبصار سبل الهداية، هي آلتنا في تدبر رسالة ربنا والنظر في أكوانه وقرآنه، ولذلك كان القلب أخطر آلة في هذا الإنسان، وهو على خطورته جهاز حساس مرهف، وإناء رقيق شفاف، معرض للعطب في أي لحظة، معرض للكسر والكدر في أي ظرف، فالقلب لو أصيب –لا سمح الله- بسوء، فذلك يعني تلف الإنسان بأكمله، ذلك يعني خسارته الدنيا والدين، إنه يعني فساد الأعضاء كلها، ولذلك قال النبي r "ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا هي القلب".
ولو فسد القلب لأصبحت الأبصار بمثابة من ينقل الصور إلى أعمى أو مغمى عليه، وقد يقبل ظواهرها ولكنه لا يعقل ما وراءها، ولا يستجلي حقائقها، يعني أنه قد يرى الجنازة تسير فلا يحرِّك ذلك شعرة في جسده، كل ما يراه هو أناس يسيرون وفوق أكتافهم رجل محمول، ولا شيء بعد ذلك. وقد يسمع آية الوعيد فلا توحي له بشيء، فهي حروف وكلمات وجمل ولا شيء بعد ذلك.
فالأعضاء إذا فسد القلب معطلة متوقفة معطوبة، لا قيمة لها ولا وجود، ولذلك يقول عز وجل: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ} [الأعراف 179]. وتأمل حيث بدأت الآية ببيان قصور القلب عن مهنته، ونتج عن ذلك عدم إبصار العيون، وعدم سماع الآذان، وذلك نظير قوله سبحانه: {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرا} [الأنعام 25] فلا فائدة من عينين واسعتين جميلتين إذا لم يكن وراءها قلب يعقل، ولا جدوى من أذنين مرهفتين إذا لم يكن خلفهما قلب يتدبر، وكل مولود يولد مزودا بالقلب المهيأ للإدراك والعلم والعقل والتدبر.
لكن لماذا تفشل أكثر القلوب في أداء مهمتها؟ لماذا تقصر عن وظيفتها؟ لماذا تستمر في ضخ الدم لكنها تتوقف عن عملها الحيوي ورسالتها الكبرى؟ إن ذلك يحدث إذا باشر القلب الفتن وفرط صاحبه في حمايته، وعندها يصاب القلب، وإذا أصيب القلب تغير كل شيء، وتبدل حال الإنسان. عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله r "تُعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تعود القلوب على قلبين: قلب أسود مرباد كالكوز مُجَخِّيا، لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أُشرب من هواه، وقلب أبيض فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض".
نعم، يكون القلب سليما ثم تعرض عليه الفتن، فإذا آنس الشيطان منه قبولا واستخذاء وركونا إلى الحرام فقد أُشرب الفتنة وأدخلت قلبه كما تتشرب الإسفنجة السائل، فإن لم يصقل قلبه وأتبعها بأخرى ازدادت مساحة السواد في قلبه، حتى يصبح قطعة سوداء معتمة، متشبعة بالفتن والشهوات والشبهات، مملوءة بالغواية والصوارف، لذلك لا يبقى فيه متسع للانتفاع بالمواعظ، فهو كالكوب المقلوب المنكَّس، لو صببت عليه ماء البحر ما دخلت جوفه قطرة، يرى مروعات الحوادث وعجائب الأقدار، يسمع من آيات الوعيد ما تتصدع له قلوب العارفين، ولا يعي من ذلك شيئا، اختلطت عليه الأمور، لا يعرف الحق من الباطل ولا المعروف من المنكر، وعِلَّته القاتلة الأخرى أنه محكوم بهواه، مستأسر لشهوته، نزعاته وغرائزه تقذف به في كل اتجاه، ولذلك لا تعجب منه إذا رأيته يُذكَّر فلا يتذكر، ويُوعظ فلا يتعظ، ولا تعجب منه إذا رأيته يلهث خلف كل بارق، ويركض وراء كل ناعق، لا تعجب إذا رأيته كلما زج الأعداء بشبهة كان أول الواقعين، وإذا روَّجوا لشهوة كان أول الوالغين، فآلة إدراكه التي تُفنِّد الشبهة معطلة، كما أنه مخزوم بحبل هواه، لا تعجب إذا رأيتهم يزعمون أنهم ناصحون للمجتمع مطورون لبرامجه ساعون لرقيه ويحلفون أنهم مخلصون، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَـكِن لاَّ يَعْلَمُونَ}[البقرة 11-13] انظر إلى العلة.. (لا يشعرون ) (لا يعلمون) ولا يستطيعون، لأن الشعور والعلم من وظائف القلوب، وقلوبهم عاجزة عن ذلك لأنها مريضة كما قال الله عز وجل {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}[البقرة 10].
وقد وصف الله عز وجل في كتابه القلوب الفاشلة بأوصاف شتى، فهي قلوب مريضة بالشبهات، وأخرى مريضة بالشهوات، كما قال سبحانه، {...فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ}[الأحزاب32]، هم الذين لا يستطيعون مقاومة الفتنة، فكلما لاحت لهم هرعوا إليها، ولأنهم موجودون في المجتمع نهى سبحانه النساء عن الخضوع بالقول تفاديا لاستثارتهم.
ومنها القلوب الزائغة ، {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}[الصف 5]، ومنها القلوب المختومة والمطبوعة والغلف والقاسية والمكنونة، كلها أمراض خطيرة تصيب القلب فيفشل، ويعجز عما أنيط به من أعمال، فيهلك صاحبه ويخسر نفسه ويخسر أهله ومجتمعه وأُمَّته، ولن يقبل الله يوم القيامة امرأ مصابا بمرض القلب {َيوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ{88} إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ{89}[الشعراء] الذي سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه، ومن كل شبهة تعارض خبره، الذي سلم من عبودية ما سوى الله، وسلم من اتباع غير رسوله r هو الذي خلصت عبوديته لله: إرادة ومحبة وتوكلا وإنابة وإخباتا وخشية ورجاء، خلص عمله لوجه الله، فإن أحب؛ أحب في الله. وإن أبغض؛ أبغض في الله. وإن أعطى لله، وإن منع لله، يرضى في الله ويسخط فيه، قلب أجرد يزهر كالمصباح، شفاف حساس رقيق وَجِل مشفق، شديد الشعور بما يرضي الله وبما يغضبه، عميق الإحساس بما يقرِّب من النار، وما يباعد منها.
وإذا أردت أن تعرف أصحاب هذه القلوب؛ فستدلك عليهم العيون الدامعة، والجوارح الخاشعة، والأردان الطاهرة، والألسن العفيفة. ستعرفهم بكثرة الذكر والقرآن، بدوام الصلاة والصيام، ستعرفهم بغضبتهم إذا انتُهكت محارم الله، بتمعُّر وجوههم وانقباضها إذا ظهر منكر، أو علا مفسد، ستراهم بدوام تتبعهم لمجالس الخير، وإصغائهم لقالته، ستعرفهم بشديد نفرتهم من القبائح، وبغضهم لها وأهلها وأماكنها. فإذا مرض القلب أو مات خسر كل ذلك، ولا يمرض إلا بما يرتكبه صاحبه من آثام ثم لا يعقبها بتوبة، ألم تر أن الله سبحانه وتعالى عندما ذكر عقوبة بني إسرائيل قال { {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً}[المائدة 13]، ويقول سبحانه {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}[الصف 5] فلما نقضوا الميثاق لم يعاقبهم بفقدان ولد ولا مال، بل عاقبهم بضرب قلوبهم. ولما زاغوا عن طريق الحق أزاغ الله قلوبهم فلا يستطيعون التعرف عليه، ولا الرجوع إليه، تلتبس عليهم السبل فلا يهتدون، تقسو قلوبهم فلا ينفذ إليها هدى ولا وعظ، فيعيشون بين الناس ولكنهم في عزلة عما يتمتع به الناس من قدرة على النظر والتفكير، {فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}[الزمر22]
اعلموا أن قلب الكافر قلب ميت، وبموته تعطلت قدرته على السماع والإبصار، فقد {خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ}[البقرة 7]، وهم {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ}[البقرة 18]،
تلك شهادة القرآن وذلك حكمه، فهم غير قادرين على إدراك الحقائق الواضحة، يخفقون في التعرف على أبين الأمور، وهل أوضح من وحدانية الله؟ ومع ذلك ضلوا عن هذه الحقيقة الواضحة، وهل شيء أقوم من شرع الله وحكمه ونظامه؟ ومع ذلك لم يستطيعوا أن يدركوا ما فيه من الخير، وعجزوا عن فقهه وعقله، وراحوا يسلكون السبل المختلفة، فهم على وجوههم يهيمون، كل ما استطاعوه هو إتقان سبل العيش، عقولهم لم تدلهم إلا على أساليب المأكل والمشرب والمسكن، كل حضارتهم ومجالات تفوقهم محصورة في مجال شهوات الفرج والبطن والبطش، ولا شيء بعد ذلك، وتلك القوى هي ذاتها قوى الحيوان، ولذلك قال عز وجل بعد أن بين فشلهم في مجالات الإدراك {أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ}[الأعراف179].
ولقد قدَّم لنا القرآن صورة لنواحهم على عقولهم، يوم القيامة: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ{10} فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقاً لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ{11}[الملك]، فقد يكونون أذكياء ولكنهم ليسوا عقلاء، كما يكون اللص ذكيا ولكنه غير عاقل، لأن العقل هو الذي يحجز صاحبه عن موارد الهلاك، وتلك حقائق قرآنية يجب أن يأخذها المسلم في اعتباره وهو يقوم حضارة القوم ويناقش أطروحاتهم، فهم فاشلون في مجال الأخلاق، عاجزون عن تحقيق الأمن النفسي، يسيرون إلى الآخرة في الطريق الخاطئ وهم لا يعلمون.
أما المؤمنون أصحاب القلوب السليمة هم وحدهم من يدرك الحقيقة ويبصر الطريق، هم المبصرون وغيرهم أعمى {أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى}[الرعد19]، فعجب لأمة الإسلام! تبتغي الهداية عند التائهين، عجبا لمن يلتمس الرقي في منهجهم، عجبا لمن يستعين بميت! أو عاقل يتعلم من غير ذي عقل!عجبا لمبصر ينقاد لأعمى!!
أعمى يقود بصيرا لا أبا لكمو قد ضل من كانت العميان تهديه
الخطبة الثانية:
إن المؤمن ليتقلب في هذا الزمان، ويمد الله له في الأجل، وكل يوم يبقاه في هذه الدنيا هو غنيمة له ليتزود منه لأخرته، ويحرث فيه ما استطاع ويبذر فيه من الأعمال ما استطاعته نفسه وتحملته.
وها قد مضى أيها الأحبة شهر رجب، ودخل شعبان، وفاز من فاز بالتقرب والاستعداد في رجب لرمضان، ودخل شعبان والناس عنه غافلة. ولنا مع هذا الشهر المبارك وقفات ننظر فيها حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وحال سلف الأمة، الذين أمرنا بالاقتداء بهم، مع ذكر بعض فضائله وأحكامه.
عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت يا رسول الله: لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال : "ذاك شهر تغفل الناس فيه عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم" وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان رسول الله يصوم ولا يفطر حتى نقول: ما في نفس رسول الله أن يفطر العام، ثم يفطر فلا يصوم حتى نقول: ما في نفسه أن يصوم العام، وكان أحب الصوم إليه في شعبان".
ومن شدة محافظته صلى الله عليه وسلم على الصوم في شعبان أن أزواجه رضي الله عنهن، كن يقلن أنه يصوم شعبان كله، مع أنه صلى الله عليه وسلم لم يستكمل صيام شهر غير رمضان، فهذه عائشة رضي الله عنها وعن أبيها تقول: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان". وفي رواية عن النسائي والترمذي قالت: "ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في شهر أكثر صياما منه في شعبان، كان يصومه إلا قليلا، بل كان يصومه كله" وفي رواية لأبى داود قالت: "كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبان، ثم يصله برمضان".
وهذه أم سلمة رضي الله عنها تقول: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان". ولشدة معاهدته صلى الله عليه وسلم للصيام في شعبان.
قال بعض أهل العلم: إن صيام شعبان أفضل من سائر الشهور، وإن كان قد ورد النص أن شهر الله المحرم هو أفضل الصيام بعد رمضان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل". ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القران، ليحصل التأهب لتلقي رمضان وتتروض النفوس بذلك على طاعة الرحمن، ولهذه المعاني المتقدمة وغيرها كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الصيام في هذا الشهر المبارك، ويغتنم وقت غفلة الناس وهو من؟ هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولذلك فإن السلف كان يجدّون في شعبان، ويتهيأون فيه لرمضان قال سلمة بن كهيل: كان يقال شهر شعبان شهر القراء. وكان عمرو بن قيس إذا دخل شهر شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القران، قال أبو بكر البلخي: شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع، وقال أيضا: مثل شهر رجب كالريح، ومثل شعبان مثل الغيم، ومثل رمضان مثل المطر، ومن لم يزرع ويغرس في رجب، ولم يسق في شعبان فكيف يريد أن يحصد في رمضان، وها قد مضى رجب فما أنت فاعل في شعبان إن كنت تريد رمضان، هذا حال نبيك وحال سلف الأمة في هذا الشهر المبارك، فما هو موقعك من هذه الأعمال والدرجات:
مضى رجب وما أحسنت فيه ……وهذا شهر شعبان المبارك
فيا من ضيع الأوقات جهلا …… بحرمتها أفق واحذر بوارك
فسوف تفارق اللذات قهرا…… ويخلى الموت قهرا منك دارك
تدارك ما استطعت من الخطايا ……بتوبة مخلص واجعل مدارك
على طلب السلامة من جحيم ……فخير ذوي الجرائم من تدارك
اللهم إننا نسألك رحمة تهدي بها قلوبنا. .
اللهم إنا نسألك
الإخلاص في القول والعمل، وكلمة الحق في الغض والرضا، وخشيتك في الغيب
والشهادة، اللهم إنا نسألك صدق التوكل عليك، وحسن الظن بك، وارزقنا تقواك
والإخلاص لك.
اللهم إنا نسألك رحمة من عندك تهدى بها قلوبنا، وتجمع بها أمرنا، وتزكى بها
أعمالنا، وتلهمنا بها رشدنا، وترد بها الفتن عنا، وتعصمنا بها من كل سوء.
اللهم اجعلنا من المصطفين الأخيار، وألحقنا بالصالحين الأبرار، واجعلنا من
المخلصين.
اللهم اجعل يقيننا أفضل اليقين، واجعل نيتنا أحسن النيات، اللهم ارزقنا الإخلاص
والخشوع والهيبة والحياء والمراقبة واليقين.
اللهم طهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا
من الخيانة انك تعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور.
اللهم اجعل حبك أحب الأشياء إلينا، وخشيتك أخوف الأشياء عندنا، واقطع عنا حاجات
الدنيا بالشوق إلى لقائك وإذا أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا
بعبادتك، يا ارحم الراحمين.
اللهم أهدنا إلى أحسن الأعمال والأخلاق لا يهدى لأحسنها إلا أنت واصرف عنا
سيئها لا يصر سيئها إلا أنت