خطب الجمـعة |
![]() |
|
133 |
بسم الله الرحمن الرحيم
أهمية الذكر وفضله ـ الجزء الثاني
كتبها : الشيخ عمر علي الخذراوي
ترجمها إلى الإنجليزية : د . فهيم بوخطوة
07 جمادى الثاني 1431
21 مــــــايــو 2010
أمر الله عباده بكثرة الذكر:
بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (( ياأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا . وسبحوه بكرة و أصيلا . هو الذي يُصلي عليكم و ملائكته ليُخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما. تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما)) الأحزاب 41 ـ 44 .
يقول علي بن أبي طلحة عن بن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى (( اذكروا الله ذكرا كثيرا)) إن الله تعالى لم يفرض على عباده فريضة إلا جعل لها حدا معلوما ثم وعذر أهلها في حال العذر غير الذكر ، فإن الله تعالى لم يجعل له حدا ينتهي إليه و لم يعذر أحدا في تركه إلا مغلوبا على تركه فقال : (( فاذكروا الله قياما و قعودا و على جنوبكم)) النساء 103 .
حال رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذكر الله تعالى :
ما كان شيئ يشغل قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذكر الله تبارك وتعالى ، فكان دائم الإتصال مع ربه جل جلاله تهليلا وتسبيحا و استغفارا أو قراءة للقرآن، وحقق ذلك في كل أوقاته فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على جميع أحيانه" ."وكان يُرتل القرآن قائما و مضطجعا و متوضئا ومُحدثا و لم يمنعه من ذلك إلا الجنابة"
وقد تعلق قلبه صلى الله عليه وسلم تعلقا كبيرا بذكر الله و جعله أحب إليه من أن يعيش في هذه الدنيا . فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لأن أقول : سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر : أحب إلي مما طلعت عليه الشمس" أخرجه مسلم والترمذي.
بل كلن صلى الله عليه وسلم يطول مجلسه في ذكر الله جل جلاله و خاصة في الأوقات التي لم يكن صلى الله عليه وسلم منشغلا بأمر من أمور الدعوة إلى الله أو تعليم الناس أمور دينهم و قضاء حوائجهم، فيبدأ كل يوم جديد بات و أصبح فيه بذكر الله عز وجل ما يقارب ساعة أو ساعة و نصف لا يشغله من أمور الدنيا شيئ. فعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم : " كان إذا صلى الصبح جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس" . رواه الطبراني في المعجم الصغير .
حال بعض أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذكر الله:
وهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه خريج مدرسة النبوة الأول كان رضوان الله عليه يمتلك لسانا ذاكرا لله عز وجل فكان لا ينفك عن ذكره ولا يفتر، ينتقل بلسانه من ذكر لله تعالى إلى آخر، لم يكتف فقط بالأذكار التي يرددها عقب الصلوات ويعتقد أن ما يصيب المخلوق من مكروه أو أذى إنما هو بسبب تقصيره بعدم ذكر الله أو فتوره عن التسبيح لله، فعن ميمون بن مهران قال: (أتى أبوبكر بغراب وافر الجناحين فجعل ينشر جناحيه ويقول: ما صيد من صيد ولا غضدت من شجرة إلا بما ضييعت من التسبيح) . "
أما أمير المؤمنين علي رضي الله عنه فكان دائم التفكر لله كثير الذكر له في كل أحيانه لا يكاد يفتر أو يكل وكان بذلك يمتثل أمر النبي له بذكر الله تعالى على أي حال فقد ورد عنه رضي الله عنه قوله: " علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أصابني كرب أن أقول : لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله وتبارك رب العرش العظيم و الحمد لله رب العالمين" رواه الحاكم .
فوائد الذكر :
أيها الأخوة المؤمنون إعلموا وفقني الله وإياكم لما يُحبه ويرضاه أن مما يشحذ الهمم ويلهب الحماسة ويجذب إلى ذكر المولى سبحانه أن تعلم أن للذكر فوائد كثيرة وعواقب حميدة لمن حافظ عليه وأكثر منه، وإليك بعض هذه الفوائد
فمن فوائد الذكر العظيمة :
· أنه يورث محبة الله سبحانه وتعالى، فالذكر باب المحبة، فكلما ازداد العبد لله ذكرًا ازداد له حبًا، فمن أراد أن يفوز وينال محبة الله تعالى فليلهج بذكره.
ومن فوائد ذكر الله تعالى:
· أنه يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره، ويزيل الهم والغم والحزن، ويجلب للقلب الفرح والسرور والبسط، ففي الترمذي وأبي داود والنسائي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له حينئذ: هديت وكفيت ووقيت، وتنحى عنه الشيطان، فيقول له شيطان آخر: كيف لك برجل هدي وكفي ووقي)) أخرجه الترمذي و أبو داوود
· أنه من ذكر الله عزوجل رفع الله ذكره بين الناس يقول سبحانه وتعالى (فاذكروني أذكركم) سورة البقرة ورد في بعض الأحاديث القدسية :(لا يذكرني عبد في نفسه إلا ذكرته في ملأ من ملائكتي، ولا يذكرني في ملأ إلا ذكرته في الرفيق الأعلى) رواه الطبراني عن معاذ بن أنس.
· أن ذكر الله للإنسان أكبر من ذكر الإنسان لربه: يقول الله تعالى: ( وإقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر ولذكر الله أكبر) سورة العنكبوت 54. فهناك معنى دقيق جدا في معنى هذه الآية: ذكر الله لك وأنت في الصلاة أكبر من ذكرك له، فإنك إن ذكرته أديت واجب العبودية، ولكنه إن ذكرك منحك نعمة الأمن، وكم من إنسان يفتقدها الآن، إنك إن ذكرته منحك نعمة الحكمة: (ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) البقرة 269 . وإنك إن ذكرته منحك الرضا ، إنك إن ذكرته منحك السكينة ، إنك إن ذكرته منحك الاطمئنان ، إنك إن ذكرته منحك التفاؤل .
· أن الله عز وجل يباهي بالذاكرين ملائكته، كما في حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجماعة اجتمعوا يذكرون الله: ((أتاني جبريل فأخبرني أن الله يباهي بكم ملائكته))
· أنه سبب لنزول الرحمة والسكينة، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده))
· أنه سبب اشتغال اللسان عن الغيبة والنميمة، والكذب والفحش والباطل، فإن العبد لا بد له من أن يتكلم، فإن لم يتكلم بذكر الله تعالى تكلم بهذه المحرمات، ولا سبيل إلى السلامة منها ألبتة إلا بذكر الله تعالى.
أيها المؤمنون، هذه بعض فوائد الذكر الذي هو من أسهل الأعمال وأيسرها، وأقلها كلفة، فهلا عمرنا به الأوقات، وشغلنا به المشاهد والخلوات، عسى أن ندرك بعض هذه المناقب والخيرات، فإنه والله وبالله من أعظم الحرمان ومن أشد الخذلان أن يمضي الواحد منا الساعات إما صامتًا ساكتًا، أو متكلمًا فيما لا يعود عليه بنفع لا في الدنيا ولا في يوم المعاد
سواك ، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام ، وأعز المسلمين ، انصر المسلمين في كل مكان ، وفي شتى بقاع الأرض يا رب العالمين ، اللهم أرنا قدرتك بأعدائك يا أكرم الأكرمين