Checkout

خطب الجمـعة

faheemfb@gmail.com

131

      

 

     
 

     


بسم الله الرحمن الرحيم

الخوف من الله

 

كتبها : الشيخ 

ترجمها إلى الإنجليزية : د . فهيم بوخطوة

 

23  جمادى الأوّل 1430

18  مـــايــــو  2009

 

أما بعد عباد الله

يقول الله سبحانه وتعالى : ( وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى)

فالخوف عباد الله سوط الله الذي يقوم به الشاردين عن بابه ، فمن خاف المقام بين يدي سيده ومولاه يوم العرض ونهى النفس عن متابعة هواها وردها عن غيها ومُبتغاها ( فإن الجنة هي المأوى )

فاتقوا الله تعالى ايها الأخوة  وخافوه وضعوا نُصب أعينكم  خشيته وحده  ولا تخشوا أحدا غيره .وكما قال الفضيل رحمه الله : من خاف الله لم يضره أحد ، ومن خاف غير الله لم ينفعه أحد. وكما قال الله تعالى : " فلا تخشوا الناس واخشون " . وقال أيضا ( فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين)

فإنك يا عبد الله إذا خفت من مخلوق هربت منه ولكنك إذا خفت من الله هربت إليه فالخائف من الله هارب من ربه إلى ربه . ( ففروا غلى الله إني لكم منه نذير مبين) الذاريات.

قال ذو النون المصري الناس على الطريق ما لم يُزل عنهم الخوف . فإذا زال عنهم الخوف ضلوا الكريق. والخوف المحمود الصادق ما حال ما بين صاحبه وبين محارم الله عز وجل. قال أحد الصالحين: صدق الخوف هو الورع عن الآثام ظاهرا وباطنا. ويقول شيخ الإسلام إبن تيمية قدس الله روحه : " الخوف المحمود : ما حجزك عن محارم الله "

 

أيها الأخوة الأحبة في الله إن موضوع حديثنا في هذه الخطبة عن الخوف من الله ومُقام الخوف من الله تعالى ، وما دعاني للحديث في هذا الموضوع العظيم هو ما نراه من واقع حال المسلمين من بُعد عن الله تعالى وتجرؤ عليه بأنوع الذنوب والمعاصي بلا حياء ولا خجل ولا خوف ولا وجل . وما كان ذلك إلا لضعف جانب الخوف من الله تعالى في قلوب هؤلاء العصاة وكما قيل لا تنظر إلى صغر المعصية ولكن أنظر إلى عظم من عصيت. وما تجرأ الناس على إقتراف المعاصي والذنوب إلا بسبب غفلتهم عن الله ونسيان الدار الآخرة .

فالخوف من الله هو صمام الآمان أمام الوقوع في المعاصي والإنزلاق في مستنقع الشهوات والملذات . فالخوف من الله هو الذي يوقد في القلب جذوة الخشية التي تدفع المرء إلى فعل الطاعات وترك المعاص والبعد عن الشهوات. وكلما زاد الإيمان في قلب المؤمن زادت الخشية في قلبه فالإيمان يزيد وينقص يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.

ففائدة الخوف التقوى والورع والمبادرة والإجتهاد في العبادة والطاعة . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشد الناس لله خشية وأكثرهم له رهبة وكان إذا وقف يصلي من الليل يُسمع لدمعه وقع كوكف المطر. وكان إذا تغيرت الريح تغير وجهه (خوفا من غضب الله تعالى) ويتردد خارجا وداخلا خوفا على أمته من عذاب الله تعالى.  قال صلى الله عليه وسلم : " ما جاءني جبريل قط إلا وهو يرعد فزعا من الجبار عز وجل" . وعلى قدر الإيمان بالله وعلى قدر العلم بالله ومعرفة الله يكون الخوف وتكون الخشية يقول تعالى : " إنما يخشى الله من عباده العلماء"  والخشية درجة أعلى وهي لأخص من الخوف . فعلى قدر العلم والمعرفة تكون الخشية ويكون الخوف كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية" ، وقال صلى الله عليه وسلم " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ولما تلذذتم بالنساء على الفُرش ولخرجتم غلى الصعُدات تجأرون غلى الله ". قال الإمام أحمد هذا يدل على أن كل من كان لله أعرف كان منه أخوف . 

وروي  أن إبراهيم الخليل عليه السلام أنه كان كثير البكاء ، وكان  إذا وقف يُصلي يُسمع لقلبه أزيز كحس المرجل (وهي القدر إذا إستجمعت غليانا) . هذا خوف المرسلين مع عصمتهم من المخالفات والوقوع في المعاصي والشهوات ، وطهارتهم عن الزلات .  وهذا محمد صلى الله عليه وسلم وهو الذي غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يقوم الليل حتى تتورم قدماه ويبكي حتى يبل بدموعه الثرى وعندما يٌقال له في ذلك يجيب صلى الله عليه وسلم " أفلا أكون عبد شكورا" .

أيها الأخوة المؤمنون :

يقول تعالى : " إنما المؤمنون الذين إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم وإذا تُليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون" الأنفال 2 .

فالمؤمن حقا من كانت هذه صفاته : الوجل عند ذكر الله تعالى ، والخشوع عند سماع كتاب الله تعالى، والتوكل على الله تعالى ، ولزوم طاعة الله تعالى ، والجود بما أعطاه الله تعالى.

وعن أبي هريرة رصي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا يدخل النار من بكى من خشية الله تعالى حتى يلج اللبن في الضرع" رواه الترمذي والنسائي وصححه الألباني في صحيح الجامع. قال أبوسُليمان الداراني ما فارق الخوف قلبا إلا خرب.

فإذا حل خوف الله والرهبة منه قلب العبد حالت بينه وبين الوقوع في المُحرمات ، وسوف يحجزه خوفه من إقتراف المعاصي والذنوب ، فلا يأكل مالا حراما ، ولا يشهد شهادة زور ، ولا ينم ولا يغتاب ، ولا يحلف كاذبا ولا يُخلف وعدا ، ولا يخون عهدا ولا يغش في المعاملة ولا يخدع شريكه ولا يخون أمانته، ولا يزني ولا يتعاطى مُحرما ولا يتناول الخمر والمُسكرات، ولا المُخدرات ، ولا يهجر مساجد الله ولا يترك الصلاة  في جماعة ، ولا يُضيع أوقاته في اللهو والغفلة ، بل تجده دائما مشمرا عن ساعد الجد والمثابرة في طاعة الله تعالى . ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل، ألا وإن سلعة الله غالية ، ألا إن سلعة الله الجنة" . رواه الترمذي وهو حديث حسن . والمراد بهذا الحديث الجد والعمل والتشمير في الطاعات من بداية العمر لأن الجنة غالية تحتاج لمن يدفع الثمن الغالي، ومن يخطب الحسناء لم يُغله المهر. وقد كان السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم يغلبون دائما جانب الخوف في حا الصحة والقوة  فيجتهدون في الطاعات ويُكثروا من ذكر الله تعالى ويتقربون إليه بالنوافل والعمل الصالح.

أيها الأخوة المؤمنون إن الخوف من الله تعالى هو الذي يعصم من فتنة هذه الدنيا ، وبدون الخوف لا يصلح قلب ولا تستقيم حياة ولا يهذب سلوك . فالخوف من الله هو الدافع إلى  التقوى في السر والعلن، وهو الباعث على إجتناب ما حرم الله، فلا شيئ يُثبت الإيمان ويزيد من اليقين عند العبد في خضم هذه الأحداث الهائجة إلا اليقين بالأخرة والإيمان بها والخشية والخوف مما أعد الله من العذاب الأليم لمن خالف أمره وعصاه.

روي أن الحسن البصري بكى فقيل له ما يُبكيك؟ قال : " أخاف أن يطرحني غدا في النار ولا يُبالي"  . ولهذا من خاف الله في هذه الدنيا وخشي يوم الفزع الأكبر أمن من الخوف يوم القيامة فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه :  " وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين : إذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة ، وإذا أمنني في الدنيا أخفـته يوم القيامة"  رواه إبن حبان في صحيحه.

أيها الأخوة الكرام لقد كان خوف السلف الصالح من الله شديد فهذ ا يزيد بن حوشب يقول : ما رأيت أخوف من الحسن وعمر بن عبدالعزيز كأن النار لم تُخلق إلا لهما. وحقيق على كل مسلم أن يخاف الله وأن يخشى نار الجحيم ، وأن يستعيذ بالله منها لآن الخبر ليس كالمُعاينة يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد" رواه مسلم . وقال في وصف النار مُحذرا منها : " نار الدنيا جزء من سبعين جزءا من نار جهنم" وقد بلغ خوف السلف الصالح رضوان الله عليهم أن أحدهم يضع إصبعه في المصباح وهو الأحنف رضي الله عنه ثم يقول " حس ، حس ، ثم يقول ياحُنيف ما حملك على ما صنعت يوم كذا وكذا " يُحاسب نفسه . وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه ربما تُقد له نار ثم يدني يديه منها ويقول : " يا ابن الخطاب هل لك صبر على هذا؟" .

فحاسبوا أنفسكم أيها الإخوة قبل أن تُحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن تُوزن عليكم. واعلموا أن نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم كان يعظ أصحابه ويخوفهم النار ويربيهم على الخشية وأن يكون يوم الحساب دائما نصب أعينهم فقال لأصحابه يوما : " إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون ، أطت السماء وحق لها أن تأط ما فيها موضع قدم إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله عز وجل ، والله لو تعلمون مل أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش ،  ولخرجتم إلى الطرقات تجأرون إلى الله ، والله لوددت أني شجرة تُعضد" رواه البخاري . وفي رواية قال " عُرضت علي الجنة والنار فلم أرى كاليوم في الخير والشر"  ثم ذكر الحديث . فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أشد منه غطوا رؤسهم ، ولهم خنين يشهقون بالبكاء، ولهول هذا اليوم تمنى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أنه شجرة تُقطع وينتهي أمرها فكيف بنا نحن ؟ فعجبا من إستهتارنا وقلة خوفنا وتمنينا على الله الأماني ونجهل أن الموت يأتي بغتة و  ***  القبر صندوق العمل

فكيف ننام ويطيب لنا العيش والمُقام  ، قال الحسن البصري رحمه الله : لقد مضى بين أيديكم أقوام لو أن أحدهم أنفق عدد هذا الحصى ، لخشي أن لا ينجو من عظم ذلك اليوم. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما رأيت مثل النار نام هاربها ، ولا مثل الحنة نام طالبها" رواه الترمذي. والسبب في ذلك هو ضعف جانب الخوف من الله تعالى ، عندنا . فالله الله عباد اتقوا الله واخشوا يوم الحساب واعلموا أن سلفنا الصالح ما كانوا يبكون وتغلب عليهم الخشية والخوف من ذنوب إقترفوها أو فواحش فعلوها وإنما مخافة أن لا يُتقبل منهم أعمالهم رضوان الله عليهم، ولهذا لما سألت عائشة رضي الله عنها وأرضاها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى ( والذين يؤتون ماآتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون) أهو الذي يزني ويسرق ويشرب الخمر ؟ قال : " لا ياابنة الصديق ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف أن لا يُقبل منه" قال الحسن عملوا والله بالطاعات واجتهدوا فيها ، وخافوا أن تُرد عليهم. إن المؤمن جمع إحسانا وخشية وإن المنافق جمع إساءة وأمنا.

فالله أسأل أن يجعلنا ممن إذا خافه أطاعه وابتعد عن معاصيه.

إذا ما الليل أظلم كابدوه             ***  فيسفر عنهم وهم ركوع

أطار الخوف نومهم فقاموا         ***  وأهل الأمن في الدنيا هجوع

لهم تحت الظلام وهم سجود       *** أنين منه تنفرج الضلوع

وخرس بالنهار لطزل صمت     ***  عليهم من سكينتهم خشوع.

 

 


faheemfb@gmail.com   فهيم بوخـطـوة ،، البريد الإلكتروني