خطب الجمـعة |
|
|
90 |
بسم الله الرحمن الرحيم
غزّة 2 ـ العودة إلى دين الله
كتبها : ش
ترجمها إلى الإنجليزية: د . فهيم بوخطوة
99 مممممم 1400.
99 ممممممم
2000
أيها المسلمون، لقد تقرحت أكباد الصالحين كمداً مما يجري في الأرض المباركة في فلسطين الحبيبة، مناظر مفزعة متوالية، وعربدة صهيونية غادرة، القتل بطريقة وحشية تفوق كل طريقة، مسلسلات من الرعب، وإراقة دماء الأطفال والنساء والشيوخ بأيد قذرة، لم يكفهم القتل بل جاوزه إلى كل ما يهلك الحرث والنسل، كما هو دأبهم وديدنهم، صور وآلام تصرع كل الجبابرة فضلاً عن الإنسان العادي لاَ يَرْقُبُونَ فِى مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً[التوبة:10].
والمراقبون يصفون ما يجري الآن بأنه حالة حرب حقيقية حولت شوارع غزة إلى ساحات قتال حقيقية، المدفعية الثقيلة تمطر حممها فوق رؤوس العزل والطائرات تصب جام غضبها على الرضيع والشيخ والمرأة والعجوز، والمجنـزرة الحديدية تعارك الجسد البشري المجرد. شهيد تلو شهيد، وأرملة تلو أخرى، ورضيع خلف أم وأم خلف رضيع، ومنـزل مهدم، وشيخ حزين، وعجوز بائسة، والسؤال إلى متى؟ مناظر حفرت معالمها في ثنايا التاريخ، بل في ثنايا قلب كل مسلم، ملاحم تسطرها أشلاء الرجال، بألوان الدم القاني، وجماجم الشهداء.
حتى أصبح ذو المروءة والشهامة يخي نفسه صيانة لدين الله تعالى :
يقولون لي فيك انقباض وإنما أو رجلا عن موقف الذل أحجم
أرى الناس من دانهم هان عندهم ومن أكرمته عزة النفس أكرم
ولازلت منحازا بعرضى جانبا الذل ألتذ الصيانة مغنما
أرى الناس من داناهم هان عندهم من أكرمته عزة النس أكرما
ولو أن أهل الدين صانوه صانهم ولو عظموه في النفوس تعظما
ولكن أذلوه صغارا ودنسوا محياه بالأطماع حتى تهود ا
أيها المؤمنون، إن الحديث عن فلسطين متشعب وطويل بطول هذه المجازر و عميق في الجذور بعمق هذه الإنتهاكات، لكنه واجب .
إن كل نفس مؤمنة أبية حرة حق لها أن تتساءل إلى متى هذا الذل؟ وماذا بإمكاننا أن نفعل نصرة لإخواننا في غزة ومتى يأتي الوقت الذي يخلى بين المسلمين وعدوهم ليشفي الله صدور قوم مؤمنين. هذه أحد أهم القضايا التي لا بد لأهل العلم والدعاة من التركيز عليها في مثل هذه الأيام المأساوية التي تعيش فيها الأمة بأسرها مخاضاً صعباً.
ولقد ضرب الشباب الفلسطيني في غزة أروع الأمثلة في حب الموت واسترخاص الدنيا والاستعلاء على خور النفس وتحطيم رهبة العدو في النفوس . إن حب الدنيا وكراهية الموت هي من أهم أسباب هزيمة أي أمة من الأمم وهي سبب هزيمة الأمة المسلمة في كثير من عصورها. يقول صلى الله عليه وسلم: ((يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن. فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت)) [رواه أبو داود بإسناد صحيح].
لقد انتصر أهل غزة على حب الدنيا وكراهية الموت من خلال العمليات الاستشهادية التي يقومون بها، وهذه نقلة كبيرة في حياتهم تجعلهم يطرقون أبواب النصر بإذن الله.
كرامة الأمة العصماء قد ذبحت وغيبت تحت أطباقٍ من الطين
لكنّهـا سوف تحيا من جماجمنا وسوف نسقي ثراها بالشرايينِ
أيها المسلمون، إن المجازر الجارية هذه الأيام على أرض غزة من قبل اليهود ليست جديدة، ولا أظن أننا نسينا التاريخ الأسود لليهود من عام ثمانية وأربعين ميلادية حتى اليوم. كيف ننسى مذبحة دير ياسين عندما دخلها عصابة من اليهود في تمام الساعة الرابعة صباحاً في العاشر من نسيان عام ثمانية وأربعين، وقتلوا أكثر من مائتين وخمسين شخصاً في حوالي عشر ساعات منهم خمس وعشرون امرأة حبلى، فأخذوا يبقرون بطون النساء ويقطّعون الأجنة بحرابهم، كما قتلوا اثنين وخمسين طفلاً دون العاشرة وقطّعت أوصالهم أمام أمهاتهم، ثم قتلوا ما بقي من النساء والشيوخ والعجزة وبعض الشباب الذي كان متواجداً في القرية، ثم أخذوا بعض النساء وجردوهنّ من ملابسهنّ وأخذوا يطوفون بهنّ في سيارات نقل مفتوحة في الأحياء اليهودية في القدس. وبينما كانت امرأة تحاول إنقاذ زوجها الكفيف البصر وتقوده صارخة ضارعة، أطلقوا رصاصهم صامّين آذانهم عن دعاء الإنسانية. وكانت امرأة أخرى مع طفلها الصغير أطلقوا عليها رصاصهم فقتلوهما معاً. وهناك أسر أبيد معظم أفرادها في تلك القرية، في ذلك الصباح الذي لا ينسى ولم يرحموا حتى النسوة العجزة والشيوخ الكبار فقد كان رصاصهم يقصدهم ويحصدهم على مختلف أحوالهم، وقد مثلوا بالقتلى وأرغموا الأسرى على أن يدوسوا جثثهم، وأخذوا سبعة من الأسرى فطافوا به شوارع القدس الجديدة، ثم عذبوهم في شوارع القرية على مرأى من أسرهم ثم غابوا في غياهب المجهول إلى اليوم، وبعدها اتجهوا إلى نسوة القرية اللاتي فاتهنّ دور الموت، فسلبوا حليهنّ وكل ما معهنّ وجردوهنّ من الحجاب وسيروهنّ حافيات الأقدام عاريات الرؤوس والوجوه.
لقد مرت مذبحة دير ياسين تاركة لطخة عار في جبين الصهيونية إلى الأبد لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لّلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ[المائدة:82].
وكيف ننسى مذبحة سنة ثلاث وخمسين ميلادية عندما هاجم اليهود قرية صغيرة شمال القدس ونسفوا منازلها بالمدفعية الثقيلة والديناميت وقتلوا السكان الآمنين العزّل وقتلوا النساء والأطفال، ثم أخرجوا ستة عشر شاباً وأُعدموا برصاص الرشاشات، وقبلها أحرقوا عائلة بأكملها في داخل بيوتهم إرهاباً لسائر السكان لحملهم على الخروج من القرية.
وكيف ننسى مذبحة غزة سنة خمس وخمسين ميلادية عندما تسلل الجنود اليهود إلى معسكر اللاجئين في قطاع غزة وسلطوا نيران رشاشاتهم وقنابلهم على الآمنين العزّل في خيامهم وقتلوا تسعة وثلاثين شخصاً وجرحوا ثلاثة وثلاثين، وكانوا يقصدون قتل الجميع ولكن الله سلّم.
وبعد أشهر هجموا على مدينة غزة مرة ثانية فسلطوا نيران مدافعهم على السكان وكذلك فعلوا بقرى مجاورة، ونجم عن هذه المذبحة ستون شهيداً من بينهم سبعاً وعشرين امرأة وأربعة أطفال، والجرحى يربو عددهم على المائة، والله المستعان.
وكيف ننسى مذبحة تل الزعتر في العاشر من يونيو سنة ست وسبعين ميلادية والذي استمرت لأكثر من خمسة وخمسين يوماً ذهب ضحيته أكثر من ثلاثة آلاف وخمسمائة قتيل من سكان تل الزعتر كما أن عائلات كثيرة أبيدت بكاملها.
بل كيف ننسى مذبحة صبرا وشاتيلا عندما قامت القوات اليهودية بمباركة أمريكية وأوربية بقصف صبرا وشاتيلا بالمدفعية والطائرات واستمرت المذبحة ستة وثلاثون ساعة راح ضحيتها ألف وخمسمائة قتيل بينهم أطفال ونساء، كما تعرضت بعض النساء للاغتصاب المتكرر.
وكيف ننسى مجزرة المسجد الإبراهيمي بالخليل حين أطلق ذلك اليهودي رصاصه على المسلمين وهم يصلون الفجر في المسجد الإبراهيمي فقتل ستين مسلماً وجرح أكثر من تسعين مات معظمهم بعد ذلك.
وكيف ننسى إحراق المسجد الأقصى عام تسعة وستين ميلادية بأيد مجرمة يهودية بل وقاموا بقطع المياه عن منطقة المسجد وحاولوا منع المسلمين وسيارات الإطفاء من الوصول للمسجد، وكاد الحريق أن يأكل المسجد لولا لطف الله جل وتعالى وقيام أكثر من ستمائة من الفلسطينيين وإخماد الحريق.
إذن، ما يحصل هذه الأيام من مجازر بشعة ما هو حلقة في سلسلة طويلة من المجازر والمذابح والوحشية اليهودية.
لقد قتل اليهود المعتدين الكثيرون من أطفال لم يتجاوزوا الثالثة أو الرابعة من أعمارهم وهم غارقون في ثياب نومهم وأغطيتهم المصبوغة بدمائهم.
أيها المسلمون، إن الصراع بيننا وبين يهود صراع ديني تاريخي متشعب، لا يحده زمان ولا مكان، ولا يتخذ طبيعة واحدة. نعم هذه طبيعة الصراع، ليس الصراع صراعاً عسكرياً في مدة محدودة على أرض فلسطين، ما المعركة في أرض غزة، سواء التي تجري الآن، أو التي جرة من قبل سوى جزء صغير من هذا الصراع . ولا أدلّ على ذلك، من إقرارنا بناء على استقراء الواقع، من أن يهود لا يحتلون أرضنا في فلسطين فقط، بل في وقت من الأوقات سيطروا على أجزاء من البلاد العربية بصورة غير مباشرة قد تكون أقبح من الاحتلال العسكري، فمثلاً كانت لهم سيطرة سياسية اقتصادية، وبذلوا كل ما يستطيعون من أجل السيطرة الثقافية، وما لهثهم وراء التطبيع إلا جزء من إدارتهم لهذه المعركة التي أدركوا كنهها وجهلناه نحن.
إننا نعلم أن يهود يستخدمون كل ما يمكن استخدامه من أجل إدارة هذا الصراع لينتهي لصالحهم، وعليه فلا بد لنا من إدارة هذه المعركة بطريقة تتناسب مع زمانها الممتد في عمق التاريخ، ومكانها الذي يتجاوز بقعة واحدة إلى نواحي الأرض كلها، في جميع بلاد العالم، بطريقة تتناسب مع طبيعتها التي تتناول جميع جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وغيرها.
إن جنود هذه المعركة ليسوا هم الفلسطينيون وحدَهم، بل المسلمون كل المسلمين، في جميع بقاع الأرض، في أرض الحرمين وفي الجزائر وفي مصر وفي الشيشان وفي أندونيسيا وفي السودان بل وفي بلاد أوروبا وفي غيرها من بقاع العالم. وأنت أيها المسلم في هذا البلد جزء من هذا الصراع، نعم جزء من هذا الصراع شئت أم أبيت، حتى ولم تكن على أرض فلسطين، بل حتى ولو لم تقل: إنك من الأصوليين أو الإرهابيين، أو في أقل الأحوال من الإسلاميين، نعم يا أخي كن من تكن، فأنا منك وأنت مني، وأنا وإياك جنود في هذه المعركة، حياتي حياتك، ونصرك نصري، وهزيمتنا هزيمة للأمة جميعاً.
أيها الأخ الكريم، لست أقول ذلك اعتباطاً، ولا حماساً، ولا أقول ذلك كي أقحمك في ما لا شأن لك به؟
ألست مسلماً؟ ألا تعبد الله؟ إذاً الشيطان عدوك، وأنت عدو للشيطان، ألم يقل هذا اللعين لاَغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ[ص:82]، ألست تمتنع عن الزنا؟ عن الربا؟ ألست تحاول غض بصرك عن الحرام؟ ألست تحاول أداء الصلاة في أوقاتها؟ ألست تسجد لله وحده؟ إن هذا كله يغيظ عدوك اللدود الشيطان الرجيم؟ ألا يتقطع قلبك حينما ترى مشاهد القتلى، إن تحرك مشاعرك فهذا دليل على أنك خضت المعركة من حيث لا تدري. وعليه فإني أختصر عليك الجواب أيها الأخ وأقول لك: إن اقترابك من الله بأداء ما افترضه عليك اقتراب من النصر، وإن ابتعادك عن الله باقتراف ما حرمه عليك ابتعاد عن النصر، ولأنك جزء من جسد هذه الأمة، وجندي في معسكرها، وواحد من قواتها، فإني أقول لك: لا بد أن تدرك أن اقترابك من النصر إنما هو زحف من قبل الأمة كلها نحو النصر، وأن ابتعادك عن الله إنما هو نكوص من قبل هذه الأمة نحو الهزيمة.
هل تعلم أيها الأخ المبارك أن كل معصية تقترفها إنما هي طعنة نجلاء توجهها نحو جيشك المرابط في ساحة المعركة، لتزيده وهناً وتقوي شوكة العدو عليه .
ألم تقرأ قول الله عز وجل: أَوَ لَمَّا أَصَٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلّ شَىء قَدِيرٌ[آل عمران:165]، ألم تسمع إلى قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (ما وقع بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة).
أيها الأخ المبارك، ولا بد لنا أن نقول إنك على ثغر من ثغور هذا الرباط، فكل ما تقدمه يمثل نوعاً من أنواع الرباط، وصوراً من صور القتال، وإعداداً للمواجهة الكبرى.
قل لي بربك: ألست قادراً على بذل شيء ولو يسير من أموالك لتدعم به إخوانك المرابطين هناك؟ ألست قادراً على اقتطاع شيء ولو من مصروف أولادك الذين يتمتعون بأكل الحلويات هنا، لإنقاذ حياة أطفال يأكلون الثرى، ويلعقون الحنظل، ويكرون ولا يفرون أمام مجنـزرات العدو ودبابته وأسلحته الخفيف منها والثقيل؟
إن تربيتك لأبنائك ليكونوا أناساً صالحين، وإعدادك لهم حتى يكونوا جنود المستقبل جزء من الصراع في هذه الملحمة.
امتناعك عن أكل الربا مع بعض صوره المحببة إلى النفس، وكفك عن النظر المحرم الذي يشق على النفس ومع هذه الأجواء، وسعيك نحو الله، كل هذا كثير يمكن أن تفعله في أي زمان ومكان.
هذا نوع من الجهاد وهناك أنواع أخرى كثيرة، الكاتب يجاهد بقلمه، والمتحدث بكلامه، بل ومهندس الحاسب الآلي بآلته، ربة البيت في بيتها وتربية أبنائها على الصلاح والتقى، الكل له جهاده. فنسأل الله تعالى أن يستعملنا في طاعته ولا يستعملنا في معصيته، وأن نكون جميعاً مفاتيح للخير مغاليق للشر.
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تنتقم من المجرم شارون، اللهم أوقف الدم في عروقه واحبس الهواء في صدره، واجعله عبرة للمعتبرين.
اللهم إن الهود الغاصبين قد طغوا وبغوا، وأهلكوا الحرث والنسل، وأفسدوا في الأرض أيما إفساد، اللهم فشل أركانهم، ودمّر كيانهم، وأخرس لسانهم، وصم آذانهم، وألحق بهم الذل والعار، وسلام عليكم ورحمة الله.
.
faheemfb@gmail.com فهيم أبوخـطـوة ،، البريد الإلكتروني