إخلاص النَّوَايا والأعمال

  

كتبها : الشيخ عبد الرزّاق طاهر فارح

ترجمها إلى الإنجليزية: د . فهيم بوخطوة

 

28 جمادة الثانية 1436 هـ

17/أبريل/2015 م

 

أحبتي في الله ،،

 

تحدثت الجمعة الماضية عن الرّياء . أمّا خطبتنا في هذا اليوم المبارك فهي عن الإخلاص . ما هو الإخلاص؟ في اللغة الإخلاص مشتق من مادة خلص التي تدل على تنقية الشيء وتهذيبه . أما إصطلاحاً فالإخلاص هو تصفية وتنقية العمل . ويعني عمل القلب واللسان والجوارح . يتم الإخلاص بصلاح النيّة عن جميع شوائب الشرك . الإخلاص نجاة وسلامة في الدنيا والآخرة . قال تعالى: { وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ‌ۚ وَذَٲلِكَ دِينُ ٱلۡقَيِّمَةِ } 98:5. والحنيف هو المستقيم على طريق التوحيد والإخلاص . المائل عن طريق الشرك النّفاق والرّياء . وقال جلّ وعلا آمراً نبيّه سيد المخلصين: {  قُلۡ إِنَّ صَلَاتِى وَنُسُكِى وَمَحۡيَاىَ وَمَمَاتِى لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِينَ (١٦٢) لَا شَرِيكَ لَهُ ۥ‌ۖ وَبِذَٲلِكَ أُمِرۡتُ وَأَنَا۟ أَوَّلُ ٱلۡمُسۡلِمِينَ  }  6: 62/63 . وقال جلّ وعلا: { تَبَـٰرَكَ ٱلَّذِى بِيَدِهِ ٱلۡمُلۡكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَىۡءٍ۬ قَدِيرٌ (١) ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلاً۬‌ۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفُورُ  } 67: 1-2 ، لماذا خلق الموت والحياة ؟ ليبلوكم أي ليختبركم ويمتحنكم . قال فضيل إبن عياض: "ليبلوكم أيكم أحسن عملا" أي أيكم أخلصه وأصوبه . فلا يُقبل عمل حتى يكون خالصاً وصواباً . خالصاً لله جلّ وعلا . وصواباُ أي موافقا ومتابعاُ لهدي النبي صلى الله عليه وسلم . آيات كثيرة يأمر الله جلّ وعلا بالإخلاص . يقول الله: {  قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۟ بَشَرٌ۬ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَىَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمۡ إِلَـٰهٌ۬ وَٲحِدٌ۬‌ۖ فَمَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلاً۬ صَـٰلِحً۬ا وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦۤ أَحَدَۢا  } 18: 110. والعمل الصالح هو ما يُبتغى به وجه الله وكذلك هو موافق لسُنَّةِ النبي صلى الله عليه وسلم .

 

وتدبّر معي كلام سيِّد المرسلين صلى الله عليه وسلملنعرف قيمة الإخلاص وقدر الإخلاص . قال كما في الصحيحين من حديث عمر رضي الله عنه: {إنّما الأعمال بالنّيات} . فرُبَّ عملٍ عظيم في أعين النّاس ، حقّرته وصغّرته النيّة . لا وزن له ولا قيمة له عند ربّ البريّة . ورُبَّ عملٍ صغير في أعين النّاس ، عظّمته وكبّرته النيّة . لأن صاحبه يبتغى عمله به لله جلّ وعلا . وهل تعلمون يا عباد الله بصدق نبيّكم أن الله جلّ وعلا يجزيكم لو نويت أعمالاً عظيمة جليلة من أعمال البر والخير ، فسوف تجدها في صحيفتك يوم القايمة . قال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي رواه أحمد في مسنّنه والتمرذي كما في سننه من حديث أبي كبشة الألمازي رضي الله عنه ، وفيه {... وأحدثكم حديثا فاحفظوه . إنّما الدنيا لأربعة نفر ، عبدٌ رزقه الله مالاً وعلماً . فهو يتّقي فيه ربّه ، ويصل رحمه ، ويعلم أن لله فيه حقاً . فهذا بأفضل المنازل عند الله جلّ وعلا. وعبدٌ رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً فهو صادق النيّة . يقول لو أنّ لي مالاً لعملت فيه كذا وكذا (أي من أعمال البر والخير)} . قال صلى الله عليه وسلم : {فهو بنيّته ، وأجرهما سواء}.

 

أيها الأحبّة في الله ،،

لقد كان الصالحون العارفون السالكون أشدّ إخفاءً لحسناتهم وأعمالهم الصالحة . وذلك من علامات الإخلاص . دخل أبو أمامة الباهلي المسجد يوما فرأى رجلاً ساجداً يبكي . فقال له: أنت ، أنت ،، هلل كان ذلك في بيتك. أي أليس أفضل لو لم يراه الناس ويلبسه الريّاء . وسُئِل أبو الدرداء ، فقال له رجل: كيف هي صلاتك بالليل يا أبا الدرداء . فقضب وقال: والله لأن أصلي لله عزّ وجل ركعةً واحدةً سرّاً ولا أحدِّث بها ، خيرٌ من أن أقضي النهار أصلي ثم أن أتحدث به . نعم هكذى كانوا . وهذا علي إبن الحسين إبن أبي طالب رضي الله عنهم ، حينما أتوا لتغسيله وجدوا بين كتفيه علامة سوداء . فلما سألوا عن سبب ذلك قالوا من شدّة حمل أكياس الدقيق ، يطوف بها ليلاً على فقراء المدينة . فأصبح النّاس يتحدثون: ما فُقِدت صدقة سرِّ حتى مات علي إبن الحسين إبن أبي طالح رضي الله عنهم وأرضاه .

 

عباد الله ،، والذين إستقر الإخلاص في قلوبهم ، وطهرت أفأدتهم من الرّياء ، تجدهم أسلم الناس قلوباً ، وأشرح الناس صدوراً ، وأطهر الناس سريرة وطويّة . ففي الحديث الذي رواه الإمام أحمد بإسناد حسن صحيح من حديث أنس رضي الله عنه أنالنبى صلى الله عليه وسلم قال: {ثلاث لا يغُلُ عليهن قلب مسلم (يعني ثلاثة أعمال إذا عملها الإنسان طهّر الله قلبه من الغِّل والحقد والبغضاء والحسد) وسلم قلبه من هذه الأدواء ) إخلاص النيّة ومناصحة ولّاء الأمر ولزُوم جماعة المسلمين ، فإنّ دعوتهم تحيط من ورائهم} . إخلاص العمل لله مما يطهّر الله جلّ وعلا به قلب صاحبه من كل مرضٍ وسقمٍ يُعتبر نقصاً في الإيمان .

 

أحبتي في الله

فليسأل كل واحد منّا نفسه ؟ هل أنا مخلص لله؟هل أنا أو أنت أبتغي من عملي وجه الله جل وعلا؟ لماذا جئت؟ ولماذا أتكلم؟ ولماذا أجلس؟ قل من يفكر فيها ؟ سلفنا الصالح رضوان الله عليهم كانوا يحاسبون أنفسهم قبل القول ، وبعد القول ، وقبل الفعل وبعد الفعل ، حتى قال ميمون إبن مهران : لا ترى المؤمن إلا محاسبا لنفسه محاسبة الشريك الشحيح لشريكه . يسأل نفسه قبل كل كلمة وفعل ، وبعد كل كلمة وفعل: هل حقق الإخلاص؟ هل حقق إتّباع النبي صلى الله عليه وسلم؟ أن يخلص النيّة والطويّة والسريرة لرب البريّة . وأن يكون قوله وفعله وحاله موافقاً لهدي النبي صلى الله عليه وسلم .