Checkout

خطب الجمـعة

faheemfb@gmail.com

 46


   


بسم الله الرحمن الرحيم

حُبُّ رسول الله

  

كتبها : ش

ترجمها إلى الإنجليزية: د . فهيم بوخطوة

 

01 01 1400 هـ

01 01 2000 م

  

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا يضل ومن يضلل فلا هادي له ، ولن تجد له من دون الله ولــيّا مرشدا . الحمد لله ، وصلى الله وسلم وبارك على رسوله وخيرته من خلقه ، وعلى من سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين .

 

أما بعد أيّهـا الإخوة المسلمون ،،

 

أتحدّث اليوم عن أمر وموضوع طالما يغفل عنه النّاس . هذا الأمر وهذال الموضوع هو محبّة رسولنا محمد صلّي الله عليه وسلّم .

 

أعظم شخصية في الوجود . الذي إصطفاه الله تعالى من خلقه ، وصنعه على عينه ، وأرسله رحمة للعالمين ، وجعل سبحانه حقيقة الإيمان لا تتم إلا بالشهادتين (شهادة أن لا أله إلا الله) و(شهادة أن محمّدا رسول الله) . فالشهادة لله بالوحدانية في ربوبيته وألوهيته وصفاته ، والشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بانبوّة والرّسالة وتمام ذلك يكون بطاعته فيها أمر وتصديقه فيما أخبر ، واجتناب ما عنه نهى وزجر ، وألاّ يُعبد الله إلاّ بما شرع . وواجب الأمّة وهذا موضوع حديثنا: محبّة المصطفة صلى الله عليه وسلّم ، وتعزيره وتوقيره . قال تعالى:

{{ لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزّروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا }} الفتح 9 .

 

ويقول سبحانه {{ قل إن كنتم تحبّةن الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم }}

 

ويقول صلى الله عليه وسلم (( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إله من ولده ووالده والنّاس أجمعين)). وعن عبدالله بن هشام قال: كنّا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطّاب فقال له عمر: يا رسول الله لآنت أحب إليّ من كلِّ شئ إلاّ من نفسي . فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك)) فقال له عمر: فإنّه الآن والله لأنت أحب إليّ من نفسي . فقال النبي صلى الله عليه وسلم ((الآن ياعمر)) .

 

أيّها الإخوة الكرام ، إن محبّة النّبي صلّى الله عليه وسلّم ليست كسائر أنواع المحبّة لأي شخص . نعم ، إنّ محبّة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عبادة عظيمة نعبد بها الله عزّ وجل ، وقربة نتقرب من خلالها إليه ، وأصل عظيم من أصول الدين ودعامة أساسية من دعائم الإيمان . يقول تعالي {النّبي أولى من المؤمنين بأنفسهم} .

 

وقد بوّب الإمام البخاري في صحيحه: بابُ: حب الرّسول صلّى الله عليه وسلّم من الإيمان . وقد ذكر الحديث الذي سبق ."فوالذي نفسي بيده ، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والنّاس أجمعين" . إذن فمحبّة النبي صلّى الله عليه وسلّم ليست أمراً ثانويا أو أمرا مخيّرٌ فيه إن شاء المرء أحبه وإن شاء لم يحبّه . بل هي واجب على كل مسلم وهي من صميم الإيمان . ولا بد لهذا الحب أن يكون أقوى من حب ولو كان حب المرء نفسه ، كما في حديث عمر رضي الله عنه .

 

فمحبة نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم والأدلّة على ثبوت وجوبها كثيرة . ومن ذلك قوله سبحانه الدي جمع في آية واحدة كل محبوبات الدنيا ، وكل متعلقات القلوب وكل مطامع النفوس ووضعها في كفّة , وحب الله وحب رسوله في كفّة :{قل إن كان آبائكم وأبناؤكم ، وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال إقترفتموها وتجارة تخشون كسادها , ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجاد في سبيله ، فتربّصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين} من سورة التوبة .

 

قال القاضي عياض رحمه الله "فكفى بهذا حضاً وتنبيها ودلالة وحجّة على إلزام محبّته ، ووجوب فرضها وعظيمم خطرها , واستحقاقه لها صلّى الله عليه وسلّم إذ قرّع الله تعالى من كان ماله وأهله وولده أحب إيه من الله ورسوله . وأوعدهم بقوله تعالى {فتربصوا حتى يأتي الله بأمره} نحو فتسقهم بتمام الآية {والله لا يهدي القوم الفاسقين} . وأعلمهم أنهم من ضلّ ولم يهدي الله عز وجل . فهذه آية عظيمة تبيّن أهمية وجوب هذه المحبّة .

 

والآيات والأدلّة كثيرة في كتاب الله وفي أحاديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم التي تثبت وجوب محبّة النبي صلّى الله عليه وسلّم .

 

ومن هنا ذكر العلماء أنّ محبّة النبي صلّى الله عليه وسلّم على ضربين: أحدهما: فرض ، وهو المحبّة التي تقتضي الإيمان بنبوّته وبعثته ، وتلقي ماجاء به بالمحبة والقبول والرضا والتسليم . ودرجة ثانية: هي محبة مندوبة ، وهي لقصي أحواله ومتابعة سنّته ، والحرص على إلتزام أقواله وأفعاله قدر المستطاع والجهد والطاقة .

 

ومن الأدلّة لذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم (ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان: منْ كان الله ورسوله أحب إليه ممّا سواهما ، وإن يُحب المرء ، لا يحبّه إلا لله ، وإن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يُقذف في النّار) .

 

ومن الأدلّة كذلك حديث جميل رائع ، قال فيه صلّى الله عليه وسلّم: (من أشدّ أمتي لي حباً ناس يكونون بعدي ، يودّ أحدهم لو رآني بأهله وماله) .

 

فكلنا محبّة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم محبّة وجوب ، ومحبّة إختيار وتعظيم له عليه الصلاة والسلام . فكلنا يدرك عظمة هذا الوجوب من خلال إدراكنا لهذه النصوص الواضحة في أن محبته صلّى الله عليه وسلّم ينبغي أن تكون أعظم من محبّة النفس التي بين جنبيك . وأنها نفسك التي تتردد وقلبك الذي يخفق ، فضلا عن محبة الزوج والأبناء . فما أعظم هذه المحبّة التي هي أعظم محبة لمخلوق من بني آدم في الدنيا ، وفي الخليقة كلها . وهي التي إستحقّها سيد الخلق صلّى الله عليه وسلّم ووحبت على كل مؤمن بالله سبحانه .

 

أيه الإخوة المسلمون ، لعلّ أحدنا يتسائل لماذا نحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟

 

إني أذكر هذا السؤال كي أهيّج القلوب والمشاعر بهذه المحبّة ، ولنؤكّدها ولنحرص على غرسها في سويداء القلوب والنفوس حتى تتحرك بها المشاعر ، ولتصبغ بها الحياة ، وتكون هي السمة والصبغة التي يكون عليها المسلم في سائر أحواله بإذن الله تعالي .

 

لماذا نحبّه صلّى الله عليه وسلّم؟

أولا: لأنّه حبيب الله ز. ومن أحب الله أحب كل ما أحبه الله.

ثانيا: لأن الله أظهر لنا كمال رأفته وعظيم رحمته صلّى الله عليه وسلّم بأمّته ، قال تعالى:{لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم} .

 

ثالثا: من دواعي محبته صلّى الله عليه وسلّم: خصائصه وخصاله العظيمة . ويكفينا قول الله تعالى {وإنّك لعلى خلق عظيم}. واجتمع فيه صلّى الله عليه وسلّم ما تفرق من وجوه الفضائل والأخلاق والمحاسن في الخلق كلهم . فهو مجتمع المحاسن عليه الصلاة والسلام .

 

وقد ملئت قلوب أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حبا له . بل إنّه سبى قلوبهم واستمال أنفسهم بما كان عليه من الخلق وخسن المعاملة ، وكمال الرحمة ، وعظيم الشفقة وحسن القول .

 

فقد أحب الصحابة الكرام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حبا ليس له نظير وصل إلى درجة أن افتدوه بأنفسهم وأموالهم وأولادهم وآباءهم .

 

فهذا علي بن أبي طالب افتدى النبي صلّى الله عليه وسلّم بنومه في فراشه ليلة أن أراد المشركون قتله. وسئل علي بن أبي طالب كيف كان حبكم لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: " كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ"

 

وكلنا يعلم قصة قتل زيد بن الدثنة: قال إبن إسحاق: إجتمع رهط من قريش ، فيهم أبو سفيان بن حرب، فقال له أبوسفيان حين قدّم ليقتل: أناشدك الله يا زيد ، أتحب أنّ محمداً عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه وأنك في أهلك؟ قال: والله ما أحب أنّ محمداَ الآن في مكانه الذي هو فيه تصبه شوكة تؤذيه ، وإني جالس في أهلي . قال: يقول أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحدا يحب أحد كحب أصحاب محمد محمدا.

 

وأخرج الخراني في عن عائشة قالت: جاء رجل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال يا رسول الله إنّك لأحب إليّ من نفسي ، وإنّك لأحب إليّ من ولدي ، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك . وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين ، وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك . فلم يرد عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم شيئا حتى نزل جبريل بهذه الآية:{وم يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا}.

 

وعن سعد إين أبي وقّاص قال: مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بإمرأة من بني ينار وقد أصيبت زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم بأُحُدْ . فلمّا نعوا لها قالت: وما فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟  قالوا: خيراً يا أم فلان ، هو بحمد الله كما تحبين . قالت: أرونيه حتى أنظر أليه . قال: فأشير لها إليه ، حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل .

 

وروى البخاري عن أنس بن مالك: أن أعرابيا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: متى الساعة؟ قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (ما أعددت لها) . قال: "حب الله ورسوله". قال:( أنت مع من أحببت) . قال أنس فما رأيت المسلمين فرحوا بعد الإسلام بشئ ما فرحوا به . فنحن نحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولن نستطيع أن نعمل كعمله . فإذا كنّا معه فحسبنا .

 


faheemfb@gmail.com   فهيم أبوخـطـوة ،، البريد الإلكتروني