Checkout

خطب الجمـعة

faheemfb@gmail.com

 40


   


بسم الله الرحمن الرحيم

جَدِّدْ إيمانك

  

كتبها : ش عبد الرزّاق طاهر فارح

ترجمها إلى الإنجليزية: د . فهيم بوخطوة

 

30 ذو اللجدّة  1435 هـ

24 / 10 / 2014 م

  

أحبتي في الله ،،

جدِّدوا إيمانكم لأن الإيمان ينقص بالمعاصي والذنوب ، وكذلك يزيد بالطاعات . ولأن الإيمان قول وإعتقاد وعمل . قول باللسان وتصديق بالجنان ، وعمل بالجوارح والأركان . وهو يزيد بالطاعات وينقص بالزلاّت والعصيان . قل جلّ وعلا : {هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمان مع إيمانهم} الفتح:4 . أحبتي ،، إذا تراكمت سحب المعاصي على القلب حجبت نور الإيمان في القلب كما تحجب السحابة الكثيفة نور القمر عن الأرض . فإذا انقشعت السحب ظهر نور القمر لأهل الأرض مرّة أخرى . كذلك إذا انقشعت سحب المعاصي والذنوب عن القلب ظهر نور الإيمان في القلوب . فلابد من تعهد القلب أيها المسلمون . لابد من تجديد الإيمان في القلب وتقويته من آن لآخر . وذلك بتعريض القلب لمواد تقوية الإيمان بالله جلّ وعلا ، كقراءة القرآن ، وذِكْر الرحمن ، والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام ، والإستغفار ، وزيارة المقابر , وزيارة المرضى ، والمحافظة على أذكار الصباح والمساء ، والإنفاق على الفقراء والمساكين ، والإحسان إلى الأرامل واليتامى والمحرومين . هذه هي الأعمال التي تقوي وتجدد الإيمان في القلب . فإنّ القلب أيها المسلمون هو ملك الأعضاء . والأعضاء والجوارح هي جنوده ورعاياه . فإن طاب الملك طابت الجنود والرعايا . وإن خبث الملك خبثت الجنود والرعايا . كما في الحديث الذي رواخ البخاري ومسلم من حديث النعمان إبن بشير رضي الله عنه ، وفيه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : {ألا وإنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله . ألا وهي القلب} . فلابد من تعهّد الإيمان في القلب ، ولابد من تجديد الإيمان في القلب من آن لآخر . لأنّ الإيمان يقوى ويضعف ويتجدد ويبلى .

 

عباد الله ،، قست القلوب وتراكمت فيها الذنوب ، وقلَّ الخوف من علاّم الغيوب . قال تعالى: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتو الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون [الحديد:16]}. ألم يأن للقلوب أن تخشع لذكر الله جلّ وعلا ؟ ألم يأن لقلوب من وحّدوا الله وآمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم أن تخضع لعظمة الله تبارك وتعالى . وأن تذعن لأمره ، وأن تجتنب نهيه ، وأن تفق عند حدوده تبارك وتعالى ؟ ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون [الحديد: 16]

 

والله الذي لا إله غيره ، إن قلّة الخوف من الله جلّ وعلا ثمرة مرّة لقسوة القلب ، وظلمته ووحتشته ، فترى منّا الآن من يسمع القرآن يُتلى ولا تدمع عينه ، ولا يتحرّك قلبه ، ولا تلين جوارحه ، ولا يخشع بدنه !! لماذا؟ لأن القلوب قست ، ولأن القلوب في وحشة ، ولأن القلوب في ظلمة . فقلة الخوف من الله ثمرة مُـرَّة لقسوة القلب وظلمة القلب ووحشة القلب . كما أن الخوف من الله جلّ وعلا ثمرة حلوة للإيمان بالله تبارك وتعالى .

 

فعلى قدر إيمانك بالله وعلى قدر حبّك لله ، وعلى قدر علمك بالله ، وعلى قدر معرفتك بالله جلّ وعلا يكون حياؤك وخوفك ومراقبتك لله تبارك وتعالى . إن كنت عارفاً عالماً بالله ، إشتدّ خوفك وحياؤك من الله جلّ جلاله . فعلى قدر العلم بالله يكون الخوف وتكون الخشية . قال الله تعالى : إنما يخشى الله من عباده العلماء . وقال أعرف الناس بربِّه صلى الله عليه وسلم : {أنا أعلمكم بالله ، وأنا أشدّكم له خشية}. لذا كان الحبيب صلى الله عليه وسلم يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء . وهو الذي غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر .

بل وفي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه قال: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحابه شيء ، فخطب فقال: عُرِضَت عليَّ الجنّة والنّار . خطبة ما سمعت مثلها قط ، إلى أن قال: {والله لو تعلمون ما أعلم بضحكتم قليلا ولبكيتم كثيراً} . يقول أنس: فغطّى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وجوههم ولهم خنين ، أي لهم بكاء بصوت مكتوم . عندما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم : {والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ، ولبكيتم كثيراً} ، تأثّر أصحاب القلوب الرقيقة من أصحاب المصطفى صلى الله عليه وسلم بمثل هذه الكلمات على الرغم من قلتها . بل وورد في مسند أحمد وسنن الترمذي بسند صحيح بالشواهد من حديث إبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوماً: {كيف أنعم وقد إتقم صاحب القرن ـ أي صاحب الصور وهو إسرافيل ـ القرن ، وأصغى سمعه وحنى جبهته ، ينتظر متى يؤمر أن ينفخ . فشق ذلك على أصحاب البشير النذير صلى الله عليه وسلم ، فقالوا للمصطفى : فماذا نقول يا رسول الله ؟ فقال لهم : قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل}.

والله لو وقفنا مع خوف النبي صلى الله عليه وسلم من ربّه وهو أعرف النّاس به ، وأتقى النّاس له ، وأخشى النّاس منه ، لرأينا العجب العجاب . ولو وقفنا على حجم الهوّة الرهيبة بيننا وبين ما كان عليه نبيّنا وسلفنا الصالح رضوان الله عليهم ، لعرفنا قسوة قلوبنا . فاروق الأمّة الأوّاب عم الذي أجرى الله الحق على لسانه وقلبه ، كان رضوان الله عليه يخاف الله جلّ وعلا خوفاً مزّق قلبه .وهو الذي لمّا وُضِع على فراش الموت دخل عليه إبن عبّاس رضي الله عنهما وقال: أبشر يا أمير المؤمنين ،، لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنت صحبته ، ثم توفى رسول الله وهو راض ، وصحبت أبا بكر فأحسنت صحبته ، ثم توفى أبو بكر وهو عنك راض . ثم حكمت فعدلت . ووالله لئن متّ اليوم فإنّ أصحابرسول الله عنك لراضون . فالتفت عمر إلى إبن عبّاس وقال: ذلك ما منَّ الله به عليّ . وإن المغرور والله من غررتموه . فوالله إنّي لوددت أن أخرج من الدنيا كفافاً ، لا لي ولا عليّ .والله يا ابن عبّاس ، لو أن لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به اليوم من عذاب الله قبل أن أراه . يا من أسرفت على نفسك بالمعاصي والذنوب ،، تذكّر وتدبّر قول عمر: والله لو أن لي طلاع الأرض ـ أي ملأ الأرض ـ ذهباً لافتديت به اليوم من عذاب الله قبل أن أراه . وهذا حب المصطفى وحبيب رسول الله معاذ بن جبل، الذي أقسم له النبي صلى الله عليه وسلم يوما وقال : {يا معاذ ،، والله إني لأحبّك} . ماذا يقول معاذ بن جبل حبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ يبتلى معاذ رضي الله عنه بطاعون الشام ، وينام على فراش الموت وهو الشاب الذي لم يبلغ الثالثة والثلاثين من عمره ، فيقول لأصحابه : هل أصبح الصباح ؟ فينظر اصحابه فيقولون : لا بعد ، ـ أي: لم تطلع الشمس بعد ـ فيقول معاذ مرّة أخرى: هل أصبح الصباح ؟ فيقول أصحابه: لا بعد . فيقول معاذ : هل أصبح الصباح ؟ فيقول أصحابه: لا بعد . فيبكي معاذ بن جبل ويقول: أعوذ بالله من ليلة صباحها إلى النّار . وسفيان الثوري إمام الدنيا في الزهد والورع والحديث ، ينام على فراش الموت فيدخل عليه حماد بن سلمة . فيقول له: أبشر يا أبا عبد الله ، إنك مقبل على من كنت ترجوه ، وهو أرحم الراحمين ، فيبكي سفيان ويقول لحماد بن سلمة: أسألك باله يا حمّاد ، أتظن أن مثلي ينجو من النّار؟ وهذا إمام الدنيا الشافعي رحمه الله تعالى ، يدخل عليه الإمام المزني وهو على فراش الموت فيقول له: كيف أصبحت يا إمام ؟ فيقول الشافعي: أصبحت من الدنيا راحلاً ، وللإخوان مفارقاً ، ولعملي ملاقياً ، ولكأس المنيّة شارباً ، وعلى الله وارداً . ثم بكى وقال: فلا أدري والله يا مزني أتصير روحي إلى الجنّة فأهنيها ، أم إلى النار فأعزيها . وهذا مالك بن دينار ، وهو من أئمّة السلف الأخيار ، كان يقوم بالليل يصلي للعزيز الغفّار ، ويقبض على لحيته ويبكي ويقول: يا رب ! يا رب ! لقد علمت ساكن الجنّة وساكن النّار ، ففي أي الدارين منزل مالك بن دينار؟

هل فكّرت في المصير يا عبد الله؟ هل فكّرت في مصيرك: أتصير إلى الجنّة أم إلى النّار؟

الحمد لله رب العالمين ،،

إعلم أن الإيمان به جلّ وعلا ليس مجرّد كلمة ترددها الألسنة فحسب ، بل الإيمان الذي نُنْصر به ونُعَزّ به ، ونُمكَّن به ، وننجو به ، ونسعد به في الدنيا والآخرة . هذا الإيمان قول باللسان وإعتقاد بالجنان وعمل بالجوارح والأركان . يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية . وتدبّر قول الإمام البخاري رحمه الله يقول: لقيت أكثر من ألف رجل من علماء الأنصار متفقون على أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.

والإيمان له أركان ، ألا وهي أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشرّه ، كما في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغيره من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

والإيمان له حلاوة ،، فهل تذوقت حلاوة الإيمان؟ روى البخاري ومسلم من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال: {ثلاث من كنَّ فيه ، وجد بهنَّ حلاوة الإيمان ، أن يكون الله ورسوله أحب إليه ممّا سواهما ، وأن يحب المرء ، لا يحبّه إلا لله ، وأن يكر أن يعود في الكفر بعدئذ أنقذه الله منه كما يكره أن يُقذف في النّار} .

هذا الإيمان له طعم ،، هل تذوقت طعم الإيمان ؟ روى مسلم في صحيحه من حديث عبّاس إبن عبد المطلب أنّه صلى الله عليه وسلم قال: {ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربّاً وبالإسلام ديناً ، وبمحمّد صلى الله عليه وسلم بنيّاً ورسولاً}.

هذا الإيمان له نور ،، نعم له نور إذا أشرق نول الإيمان في القلب ذاق صاحب هذا القلب حلاوة وطعم الإيمان . روى أبي نعيم في الحلية بسند حسن أنّه صلى الله عليه وسلم قال: {ما من القلوب قلب إلا وله سحابة كسحابة القمر تدبر معي ، ما من القلوب قلب إلا وله سحابة كسحابة القمر ، فبين القمر مضيئ إن علته سحابة فأظلم ، فإذا تجلّت عنه أضاء} يعني كما تحجب السحابة نور القمر عن الأرض ، كذلك تحجب سحب المعاصي نور الإيمان في القلب . فإذا انقشعت سحابة السماء وصل نور القمر إلى الأرض ، وإذا انقشتعت سحابة الذنوب والمعاصي بالتوبة والأوبة ، أشرق نور الإيمان في القلب .

رأيت الذنوب تميت القلوب            وقد يورث الذلّ إدمانها

وترك الذنوب حياة القلوب            وخير لنفسك عصيانها

فجدِّد إيمانك في قلبك وتكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: {إن الإيمان ليُخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب ـ أي يبلي الثوب}

فالعاقل هو الذي يعرف شرف زمانه ، وهو الذي يعرف قدر الأيّام التي يمر بها الآن في هذه الحياة. فقد تُسْلَبُ الحياة في أيّ لحظة من اللحظات ، ويود الإنسان أن لو عاد إلى الدنيا ليعمل صالحاً، فيُقال له: كلا. {حتى إذا جاء أحدهم الموتُ قال ربّ ارجعون لعلي أعمل صالحاً}. لعلِّي !! يريد العودة، ومع ذلك هو ليس متأكداً إن كان سيعمل صالحاً أم لا. ومع ذلك يأتيه الجواب: {كلا إنها كلمة هو قائلها}. ولا قيمة لها. {ومن ورائهم بزرخٌ إلى يوم يُبعثون}. فيا أيها الحبيب ، من الآن عاهد ربّك على التوبة والأوبة، على ترك الحرام، على ترك الذنوب والمعاصي، على ترك الربا، على ترك أموال اليتامى، على ترك العقوق، على ترك الإساءة إلى المسلمين. عاهد ربّك من الآن على المحافظة على الصلوات في وقتها، وعلى المحافظة على الأوامر والإبتعاد عن النواهي ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وعلى الوقوف عند الحدود وأنت في غاية الحب لله ، والرِّضا عن الله.

أسأل الله أن يجدِّد الإيمان في قلوبنا وأن يرزقنا حسن الخاتمة .

 


faheemfb@gmail.com   فهيم أبوخـطـوة ،، البريد الإلكتروني