Checkout

خطب الجمـعة

faheemfb@gmail.com

 38


   


بسم الله الرحمن الرحيم

صلاة الجَمَاعَة

  

كتبها : ش

ترجمها إلى الإنجليزية: د . فهيم بوخطوة

 

01 01 1400 هـ

01 01 2000 م

  

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا يضل يمن يضلل فلا هادي له ، ولن تجد له من دون الله ولــيّا مرشدا .

أيها الإخوة المؤمنون ، إن الإسلام لم يكتف من المسلم أن يؤدي الصلاة وحده في عزلة عن المجتمع الذي يعيش فيه ولكنه دعاه دعوةً قويةً إلى أدائها في جماعة المسلمين وفي المساجد فقال تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين}.

 

وشأن صلاة الجماعة في الإسلام عظيم ومكانتها عند الله عالية . لذلك شرع الله بناء المساجد لها فقال سبحانه وتعالى: {في بيوتٍ أذِن الله أن تـُرفع ويـُذكر فيها إسمه}. بل إنَّ أوّل عمل قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة بناء المسجد للصلاة فيه . وشرع الله النداء لصلاة الجماعة من أرفع مكان بأعلى صوت . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتفقد العائبين عن الصلاة في جماعة ويتوعد المتخلفين عنها .

 

فقال صلى الله عليه وسلم {لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام . ثمّ آمر رجلاً يصلّي بالناس ، ثم أنطلث معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة ، فأحرق عليهم بيوتهم بالنّــار} ، وفي رواية للإمام أحمد {لولا ما في البيوت من النساء والذّرية أقمت صلاة العشاء وأمرت فتيانا يحرقون ما في البيوت بالنّـار} .

 

وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم على أن الدي يداوم على صلاة الجماعة وقلبه معلق بها وبالمسجد فإنـّه يكون في ظلّ الله تعالى يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله . فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {سبعة يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل ، وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل ، ورجل قلبه معلق بالمساجد ، ورجلان تحابا في الله إجتمعا على ذلك وتفرّقا عليه ، ورجل دعته إمرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خالياُ ففاضت عيناه} . رواه البخاري ومسلم وغيرهما . وقال الإمام النووي أن "رجل قلبه معلق بالمساجد" أي شديد الحب لها والملازمة للجماعة فيها . وذلك معناه دوام القعود فيها . وعن أبي سعيد الخذري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان} وقال عز وجل: {إنما يعمر مساجد الله مََنْ آمن بالله واليوم الآخر} .

 

وقد جعل الله سبحانه وتعالى المشي إلى الجماعات من أسباب تطهير العبد من الذنوب . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا بلى يا رسول الله ، قال: إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخُطا إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرباط ، فذلكم الرباط} . وفي حديث آخر {من راح إلى مسجد الجماعة فخطوة تمحو سيئة ، وخطوة تكتبله حسنة . ذاهبا وراجعا} . بل وإن الضل أعظم يقول: {من خرج من بيته متطهّراًإلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم} . الله أكبر ما أعظم أجر الخارج إلى المسجد . يدرك المرء المسلم يوميا بخروجه للصلوات الخمس أجر من خرج للحج محرما خمس مرّات . وإذا كان هذا الأجر العظيم على الخروج لآداءالصلاة في جماعة فحسب ، فكيف يكون الأجر على أداء الصلاة في جماعة .

 

الا إنّه لا عذر لأحد في ترك الصلاة مع الجماعة ما دام صحيحا سليما معافا قادرا . يقول إبن مسعود رضي الله عنه: "ولقد كان يؤتى بالرجل يُهادى بين الرجلين حتى يُقام في الصف" .

 

أيها الإخوة الإحباب ، إن فضل الصلاة في جماعة عضل عظيم . والخارج إلى الصلاة في جماعة ، هو في صلاة حتى يرجع إلى بيته . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا توضأ أحدكم في بيته وأتى المسجد كان في صلاة حتى يرجع} . كما أنه بشّر المشّائينإلى المساجد في الظلمات بالنور التام يوم القيامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {بشّر المشّائين في الظلم إلى المساجد بالنّور التام يوم القيامة} . يقول العلامة المناون "لما قاسوا مشقةملازمة المشي في ظلمة الليل إلى الطاعة جوزوا بنورٍ يُضئ لهم يوم القيامة" .

 

واخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ الله يُعد نزلاً مكاناً في الجنّة للمحافظة على الجماعة فقال: {من غدا إلى المسجد أو راح أعدّ الله له نزلاه من الجنّـةِ كلما غدا أو راح}

أنظروا بالله عليكم إلى هذه المكانة العالية فإذا كان نزل الغادي والرائح إلى المسجد من قبل الله رب السموات والأرض وخالق الكون فكيف يكون ؟ وإذا كان هذا الأجر على الذهاب إلى والإياب من المسجد فماذا يكون من الأجر والثواب على أداء الصلاة مع الجماعة فيه .

 

بل أكثر من ذلك با أخي الحبيب يا من تحافظ على الصلاة في جماعة إعلم أنك بقدومك إلى المسجد فأنت زائر لله كما قال صلى الله عليه وسلم: {من توضأ في بيته فأحسن الوضوء ثم أتي المسجد فهو زائر لله وحق على المزور أن يكرم الزائر} .

 

وفي الحديث القدسي: {إن بيوتي في الأرض المساجد ، وزواري فيها عمّارها ، فطوبى لمن تطهر في بيته ، وزارني في بيتي ، وحُـقّ على المزور أن يكرم زائره} . فلنحرص يا أخا الإسلام أن نكون من المكرمين من قبل رب العلامين بالمحافظة على هذا الركن المتين ، الصلاة في جماعة المسلمين .

 

ولنتنافس كلنا فلى الحضور للصلاة في الحماعة ولنعلم أن رسولنا الكريم بشرنا بأنه {من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى ، كُتِبَ له برائتان: براءة من النّار وبراءة من النفاق} . قال العلامة الطيبي:"يؤمنه في الدنيا أن يعمل عمل المنافق ، ويوفقه لعمل أهل الإخلاص . وفي الآخرة يؤمنه مما يُعذب به المنافق ، ويشهد له بأنه ليس منافقا. ذلك بأن المنافقين إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى وحال هذا بخلافهم" . ما أعظم البشارة وما أجلّ هاتين البراءتين . اللهملا تُمٍتنا حتى ننالهما ، آمين .

 

أيها الأخ الحبيب يا من فقدناه في مسجدنا ، يا من تهاونت ولا تزال تتهاون في الحضور لصلاة الجماعة في المسجد ، ألم تعلم أن الله لم يعذر المسلم في حال الحرب في تركه للجماعة ؟ بل أمره بها في وقت عصيب يواجه المسلمون فيه عدوهم فقال جل وعلا: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك} . فهل تظن يا أخي الحبيب أن صلاة الجماعة تجب على هؤلاء في هذه الظروف الحالكة ، ولا تجب على رجل يتقلب في فراشه الوتير آمنا مطمئناً معافاً؟ ألم تعلم يا أخي أن الله لم يعذر الأعمى بتركه الجماعة؟ بل أمره بها رغم ظروفه العصيبة . ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: {أتى النبي رجل أعمى ، فقال يا رسول الله إنّه ليس لي قائدا يقودني إلى المسجد ، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُرخِص له فيصلي في بيته ، فرخص له ، فلما ولّى دعاه فقال: هل تسمع النِّداء بالصلاة ؟ قال: نعم . قال: فأجب} . وفي رواية لأبي داوود قال: "إني ضرير البصر شاسع الدار . . ." . فهل تظن يا أخي الحبيب أن صلاة الجماعة تجب على هذا الصحابي الذي جمع بين فقد البصر وبعد الدار وخوف الطريق وعد القائد ولا تجب على المبصر الصحيح المعافى .

 

أيها الإخوة المؤمنون هذا قليل من كثير مما ورد في فضل صلاة الجماعة بشكل عام . أما بشكل خاص فهناك تأكيد على صلاتي العشاء والفجر . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من صلّى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ، ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل} . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من صلى البردين دخل الجنة} . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمّة الله حتى يمسي} . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إنّ أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ، ولو تعلمون ما فيهما من الرغائب لأتيتموهما ولو حبوًا} أخرجه أبو داوود .

 

وقد كان سلفنا الصالح من صحابة رسول الله فَمَنْ بعدهم يهتمون بصلاة الجماعة وينكرون بشدّة على من تخلف عنها ، ويصفونه بالنفاق . ففي صحيح مسلم عن عبدالله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: "من سره أن يلقى الله تعالى غداً مسلماً ، فليحافظ على هؤلاء الصلوات حين ينادى بهن . فإنهن من سنن الهدى ، وإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى ، وإنكم لو صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته ، لتركتم سنة نبيكم ، ولو أنكم تركتم سنة نبيكم لضللتم . وما من نرجل يتطهر فيحسن الطهور ، ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ، ويرفعه بها درجة ، ويحط عنه بها سيئة ، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ، ولقد كان الرجل يؤتى به يُهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف" .

 

هذا ما قاله إبن مسعود ـ رضي الله عنه ـ عن مكانة صلاة الجماعة عند صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: {ما بال أقوام يتخلفون عن الصلاة ، فيتخلف لتخلفهم آخرون ، لأن يحضروا الصلاة أو لأبعثن عليهم من يُجافي رقابهم} .

 

مرض أحد الصالحين من التابعين ، إسمه ثابت بن عامر بن عبدالله بن الزبير . فسمع أذان المغرب فقال لأبنائه: "أحملوني إلى المسجد" فقالوا أنت مريض ، وقد عذرك الله ، قال: لا إله إلا الله !! إسمع حي على الصلاة .. حي على الفلاح ثم لا أجيب !! والله لتحملوني إلى المسجد . فحملوه إلى المسجد . ولما كان في السجدة الإخيرة من صلاة المغرب  قبض الله روحه .

 

قال بعض أهل العلم: كان هذا الرجل إذا صلى الفجر ، قال اللهم إني أسألك الميتة الحسنة ، قيل له وما الميتة الحسنة ؟ قال: إن يتوفاني ربي وأنا ساجد .

 

وهذا سعيد بن المسيب إما التابعين ، كان يأتي في ظلام الليل إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فقال له إخوانه: "خذ سراجاً لينير لك الطريق" فقال يكفيني نور الله . {ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور} . وقد كان لسعيد بن المسيب عين واحد ، ثم ذهبت الأخرى . قالوا من كثرة بكائه في السحر خشية لله . وكان يذهب بهذه العين الواحدة في ظلام الليل إلى المسجد . وقال في سكرات الموت وهو يبتسم والله ما أذن المؤذن منذ أربعين سنة إلا وأنا في المسجد قبل الأذان تجد سعيد بن المسيب في المسجد .

 

وَدَّعَ عمر رضي الله عنه وأرضاه سعداَ إلى القادسية ثم قال له: يا سعد ، أوصي الجيش بالصلاة ، الله الله في الصلاة ، فإنكن إنما تُهزمون بالمعاصي ، فأوصهم بالصلاة .

 


faheemfb@gmail.com   فهيم أبوخـطـوة ،، البريد الإلكتروني